نداء باريس

ليس هناك عمل أجل وأهم من إنقاذ السلام فى الشرق الأوسط من براثن وخطط وتفكير المتطرفين، سواء كانوا على كرسى رئيس الوزراء أو فى مقاعد البحث والتفكير، وصولا إلى الموجودين فى قوائم المتفرجين أو حتى من رجل الشارع البسيط الذى لا يهمه فى الدنيا إلا قوت يومه، وإذا كان السلام لا يصل إليه مباشرة الآن فهو غير مهتم، ويسير فى طابور دعاة التشدد والوقيعة، مثله مثل السياسيين والمفكرين القدامى والمتشددين المعاصرين، والذين وقفوا مكانهم لا يبرحونه، ولا يريدون لأحد أن يتحرك، حتى يستمروا فى سجل المتحركين، ولو كانت نقاطهم ضعيفة وغير مؤثرة فى مسار الحياة العام.
السلام الآن ـ ولا أقصد حركة السلام الآن فى إسرائيل ـ لم يعد ضرورة إقليمية بل حتمية عالمية، وإذا لم يتوصل هذا الجيل إلى استقرار فى هذه المنطقة من العالم بعد كل التطورات السابقة والخطوات التمهيدية للسلام، فإن كل شىء سيتعرض للانهيار، وستتحول خطوات السلام السابقة إلى قنابل موقوتة فى ذاتها تهدد السلام الإقليمى، وتنهى حقبة أو آمال الاستقرار التى انتعشت عبر عقدين فى هذا القرن، خلال خمسة عقود من الصراع، بل نقول تجميد الحياة وإلغاء المستقل، وإبراز العداء والحروب والتربص المتبادل، والصراع العربى الإسرائيلى، لم يقتصر فى بعده على صراعين بينهما، بل جر وراءه صراعا عالميا، وأحيا صراعات الشرق والغرب، وأبرز النزعات العرقية والتعصبية والدينية فى شكلها المقيت، وأعاد عصر الفتنة الكبرى،
فكل فريق يصف الصراع على طريقته، وإذا استمر هذا الصراع ولم يتوقف بسلام نهائى، فلن يعرف أحد ماذا يمكن أن يفعل الضعفاء، وإذا نزعت منهم كل الأسلحة حتى سلاح الأمل الذى برز عقب أن عرف العالم قضيتهم وتوقعوا الإنصاف، بعد أن اعترفوا بحقوق المغتصب ـ رغم أنه لا حقوق للمغتصبين ـ جاءت مبادرة ونداء باريس بعقد مؤتمر دولى للسلام، »فالسلام« طريق الاستقرار، وأول نقطة فى وقف التطرف والإرهاب، فالوصول إليه هدف يسبق المؤتمر الدولى الذى عقد فى شرم الشيخ للإرهاب، كما أن الوقت الذى خرج فيه نداء باريس للمؤتمر جديد يحمل فى طياته معنى كبيرا وهو أن القوى الأمريكية الكبرى الراعية للسلام قد وصلت إلى ما يشبه اليأس، وأصبحت ضعيفة أمام الضغوط الإسرائيلية للهروب من التزاماته ـ
وأمريكا أصبحت فى حاجة إلى دعم دولى فى مساعى السلام، وصولا إلى الهدف النهائى للمنطقة ـ وبالرغم من الإشارات التى صدرت على استحياء من الولايات المتحدة لاعتراضها على السياسات الإسرائيلية التى تقتل العملية السلمية بأكملها، والتى تمثلت فى حضور كلينتون الاجتماع السنوى للعرب الأمريكيين فى واشنطن، وتصريحات هيلارى كلينتون بأهمية الدولة الفلسطينية للاستقرار الإقليمى، وأخيرا تصريحات المثقفين ورجال السياسة السابقين وأهمها تصريحات ميرفى بأن الدولة الفلسطينية قائمة، إلا أن كل ذلك لا يمنع أن نشير بوضوح إلى الضعف الأمريكى أمام إسرائيل، والذى وصل إلى تجميد العملية السلمية وإنهائها، بل إن نيتانياهو أصبح يهدد بإشعال واشنطن،
و بالحرب الإعلامية على الرئيس الأمريكى، وبتحريك القوى اليهودية دفاعا عن إسرائيل، وكأنه يواجه فعلا حربا لا سلاما، فهو القوى المدججة بكل الأسلحة التقليدية والتكنولوجية والبيولوجية، وصولا إلى النووية، فى منطقة أقرت السلام والتعاون الإقليمى معه بشرط أن يصل بالحقوق لمستحقيه، و فى مقدمتها الشعب الفلسطينى، فماذا يكون القرار السورى واللبنانى الآن، إذا حاولا التفاوض والوصول إلى حقوقهم، وذلك حقها، إذا وجدوا أن الفلسطينيين لن يحصلوا على نسبة ٣١٪ من الأرض المحتلة إلا بشق الأنفس، وبضغوط دولية وصلت إلى الاستحالة.
نداء باريس من مبارك وشيراك أحيا الأمل الإقليمى فى التوصل إلى صياغة جديدة للسلام، تجبر إسرائيل وتعاملها كدولة خارجة على المجتمع الدولى، مثلها مثل دول عربية وأجنبية أخرى تعرضت للعقوبات الدولية، ويجب أن تتعرض مثلهم، إذا ظلت مخربة للسلام العالمى، وهذا المؤتمر حتى ينجح يجب أن تكون قراراته لهاصقة الإلزام ـ وأن يتعرض الخارجون على القانون الدولى والنظام العالمى لعقوبات ـ حتى يشعر العرب بأن هناك عدالة دولية حقيقية للجميع، ولا تستمر ازدواجية المعايير النافية للعدالة.
نداء باريس له أهميته الاستراتيجية، فقد جاء من قطبى الشرق الأوسط وأوروبا ودعوتهما فى حالة الاستجابة ستكون قوة دافعة للبرنامج الأمريكى للسلام الذى يتعرض للضعف والوهن والاستسلام للضغوط الإسرائيلية.
فهل نأمل فى تغيير استراتيجى فى منحنى السلام فى منطقتنا؟
.. دعنا نأمل

