دفاعا عن المسلمين

كنت أتصور أن قمة الدول الإسلامية فى طهران سوف تركز مجهوداتها للدفاع عن المسلمين المعاصرين، وليس الإسلام.. فالإسلام كدين يدافع عن نفسه بما يحمله من قيم سماوية نبيلة سوف تعيش لكل زمان ومكان.. وما بقيت الحياة.. فهو الدين الخاتم والكامل.. ولكن المسلمين المعاصرين بصراعاتهم الداخلية وحروبهم المستمرة.. يحتاجون فعلا إلى إبراز صورة جديدة عن أنفسهم.. فصورة المسلم المعاصر صبغت بالتشدد الإيرانى والصراع الأفغانى، ومذابح الجزائر وعمليات إرهابية هنا وهناك.. حتى إن اللحية أصبحت مرادفا لعمليات القتل الجماعى والإرهاب.. والاقتتال حتى الفناء.. وأصبحت صورة المسلمين أنهم ضد المجتمع المعاصر، وبالنسبة للدول الإسلامية.. فمازال العالم يذكر الحرب العراقية ـ الإيرانية.. واحتلال العراق للكويت..
والحرب الأهلية فى السودان، وانهيار الصومال.. وصراعات الحدود المشتعلة بين جميع الأشقاء والجيران.. سواء فى العالم العربى وأبين المسلمين فى آسيا وصراعات مماثلة، حتى باكستان انفصلت إلى دولتين.. وسقطت بنجلاديش فريسة الصراع الداخلى والفقر.. واليوم.. عندما دخلنا للحوار وأمامنا سنوات قليلة من نهاية هذا القرن كان محور اللقاء.. محاولات مستميتة للتقليل من حدة الصراعات الداخلية بين الدول الإسلامية.. لعل أهمها اختلافات وجهات النظر بين كل من سوريا والعراق من جانب، وتركيا من جانب آخر حول سياسات الأخيرة فى الشرق الأوسط وتحالفاتها مع إسرائيل.. وظهر العالم الإسلامى ودوله أمام العالم الخارجى.. أنهم جميعا يحتاجون إلى وسطاء لتقليل حدة الخلافات بين دولهم..
ولعل الإيجابية اللافتة إلى مؤتمر طهران.. هى التقارب العربى ـ الإيرانى بعد سنوات من التوجس والخوف من الشعارات التى رفعتها الثورة الإيرانية، ومحاولات تصدير القلاقل والاضطرابات للعالم الإسلامى.. وتمثلت هذه الإيجابية فى التحسن فى العلاقات والتقارب بين كل من مصر والسعودية وإيران.. وانتقل الموقف العربى ـ ترقبا وانتظارا لرد الفعل الإيرانى على هذا التطور الإيجابى والمنتظر فى استمرارية هذا التطور، برد الجزر المحتلة إلى دولة الإمارات العربية، ودور جديد للتعاون العربى ـ الإيرانى..
وإذا عدنا لمؤتمر الدول الإسلامية فى طهران.. فإن المسلمين فى كل مكان كانوا ينتظرون ومازالوا ينتظرون ـ رؤية موحدة من القادة لأوضاع العالم الإسلامى فى المستقبل القريب والبعيد.. وفى تصور علمى للتعاون العالمى بين دولهم يستند إلى تعاليم الدين الإسلامى السمحة وموقف موحد، وليس فى بيان يدين التطرف والإرهاب، ويجب أن يستند الرفض إلى فعل حقيقى لمواجهة فريق من المسلمين يحاول أن يلصق بالإسلام فى نهاية هذا القرن تهمة هو منها برىء، وهى بعيدة كلية عن حقيقة المسلم والإسلام.
وإذا كان العالم الإسلامى يتعرض إلى هجمة وعداء من القوى المهيمنة، بل تتعرض دوله إلى عقوبات دولية.. أثرت فى مستقبل شعوبه.. فإن الوقت قد حان لتضامن حقيقى وتفاعل مثمر بين الشعوب والحكومات لمواجهة هذا الخطر، والحد من تأثيره بالرفض.. ويفتح صفحة جديدة بين الشعوب والحكومات لمواجهة الخطر الخارجى والظروف الصعبة التى يعيش فيها العالم الإسلامى لا تتحمل انهيارات وصراعات داخلية.. بل موقف موحد لمواجهة الخطر الحقيقى، الذى يتمثل فى أن فريقا مسيطرا فى الغرب يحاول أن يجر العالم الإسلامى والمسلمين إلى صراع مع الحضارة الغربية، أو يحاول إظهار المسلمين بأنهم أعداء الحاضر والمستقبل، وظهر واضحا أن المخطط الأمريكى والغربى هو اصطياد الدول الإسلامية واحدة بعد الأخرى لمعاداة النظام العالمى وفرض عقوبات عليها، وتكريس عداء المجتمع الدولى لها، والصورة متكررة ومستمرة.. بل إن الخيوط التى تمسك بها أجهزة التخابر الدولية وتعاونها الخفى مع بعض المنظمات الإرهابية التى تعاملت معها واستخدمتها فى الحرب الأفغانية، تستخدم اليوم فى ضرب استقلال وازدهار دول عربية إسلامية.. تكريسا للرؤية المعادية للعالم الإسلامى فى الغرب.. ولم يكن حادث الاعتداء على السائحين فى مصر.. إلا استخداما لهذه الجماعات لأسباب ستكشف فيما بعد..
فالعالم الإسلامى مستقبله ليس قاتما كما تعكس صورة الأوضاع الحالية، ولكنها إرهاصات التغيير والتطور وصعوباته، وسوف يجتازها ليخلق واقعا جديدا، وصورة ورؤية متغيرة توضح بجلاء صورة المسلم المؤمن الحقيقى التى نعرفها، والتى فى داخلنا لشعوبنا وللعالم ككل.
سوف نخرج من أزماتنا الداخلية.. وصراعاتنا التى فرضت علينا سواء من ظروف الداخل التى صنعها احتلال وقوى خارجية فرضت واقعا مظلما، وتحاول اليوم ذات القوى الخارجية استثمار هذه الظروف وصعوباتها لتكريس هذا التخلف والفقر.. لتقف عثرة أمام التحديث والتطور ومحاولات الخروج من النفق المظلم..
الموقف الصعب والتحدى سيجعل شعوبنا قادرة على اجتيازه وكشف أخر طابور خامس يعيش بيننا، ويعمل ضدنا، ويستخدم لضرب هويتنا وتراثنا وحبنا للإسلام وسماحته.

