مقالات الأهرام العربى

السلام الضائع والدولة الفلسطينية حقيقة

حان الوقت لكى نعترف بأن أحلام السلام بين العرب و الإسرائيليين تبددت، وأنه لن يكون هناك سلام، ليس لوجود نيتانياهو فى الحكم، لكن لأن الإسرائيليين لم يتغيروا، ولذلك أوجدوا واختاروا نيتانياهو للحكم، ليعلنوا بوضوح أن اتفاقية أوسلو ماتت، كحلم بارد لليلة صيف لم تأت، وأن سراب التعاون المشترك بين أبناء إبراهيم والشرق أوسطية التى أعقبتها، كانت أضغاث أحلام أو »كوابيس« يقظة، وأن اتفاقيات السلام التى وقعت مع إسرائيل، هى هدنة، حتى تتغير موازين القوى التى قد تسمح للمستقبل بأن بنى سلاما جديدا، يقوم على حفظ الحقوق والاعتراف بمصالح جميع شعوب الشرق الأوسط، ولعل منتدى دافوس الاقتصادى كان أسرع الجهات التى اكتشفت أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة تجمد عمليات السلام،

فأوقف مؤتمراته السنوية للتعاون، معترفا بأن المنطقة تمر بمرحلة جديدة، انتقل فيها السلام المرتقب إلى أن وضع ليس على الرف ولكن فى »ديب فريزر«، قد يؤدى إلى قتلها نهائيا، أو تجميدها مؤقتا لمرحلة لاحقة، وبذلك  توقفت المؤتمرات التى حملت حلم التغيير والتعاون لشعوب هذه المنطقة الحيوية من العالم، التى شهدت، أربعة مؤتمرات تباعا فى مراكش وعمان و القاهرة وأخيرا مؤتمر الدوحة، الذى وجهت فيه القاهرة ـ باعتبارها أكبر عاصمة عربية، وأول بلد اعترفت بالسلام ووقعت اتفاقية مع إسرائيل فى كامب ديفيد ـ إنذارا لإسرائيل وللمؤتمر أنه لا يوجد تعاون مثمر تحت ظلال سلام لم يكتمل، وحقوق ضائعة، وتعنت ورفض إسرائيلى لكل ما يطرحه السلام من طروحات مختلفة، فلم تحضر المؤتمر، وكان قرار القاهرة مؤشرا خطيرا لكل من يدرك مغزى القرارات الخطيرة، وأنه منعطف نحو مرحلة جديدة ستسود فى المنطقة، بعد أن ضاع حلم السلام وآمال التعاون.

وإذا كان مؤتمر لندن قد فشل، ولم يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى واشنطن رافضا التفاوض على نسبة الـ ٣١٪، ومساوما فى نسبة ١،٢٪ من أراضى الضفة الغربية.. التى من المفروض أن ينسحب منها بالكامل، ثم يستكمل التفاوض حول ا لقدس، والحل النهائى، ومستقبل المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية، فقد كان السؤال لكل مراقب ماذا سنفعل مع هذا المفاوض الإسرائيلى المتعنت المصمم على قتل السلام، وليس التفاوض على النسب المطروحة للانسحاب، التى يعتبرها كحل نهائى للفلسطينيين، كيف سنتعامل مع هذه الشخصية فى استكمال مراحل الحل النهائى؟

أسئلة متلاحقة شدتنى إلى مستقبل عملية السلام، التى أراها أمامى تضيع وتتبدد وتتحول إلى سراب غريب، جعلتنى أتساءل هل نندم أننا سرنا مع الإسرائيليين حول السلام؟ وضيعنا سنوات فى أحلام ضاعت، ومفاوضات عسيرة استمرت، ثم وجدتنى أستيقظ على صوت هيلارى كلينتون، وهى تتكلم عن الدولة الفلسطينية، وأرى تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى وهو يعترف بضرورة وصول الفلسطينيين إلى حقوقهم، والوفود العالمية تتقاطر على زيارة عرفات فى غزة، والرئيس الفلسطينى يستقبل فى البيت الأبيض والأمم المتحدة، والفلسطينيون جزء لا يتجزأ من النظام العالمى، يتعاملون مع الاتحاد الأوروبى بأوثق العلاقات، والبنك الدولى وصندوق النقد والمنظمات المالية والبنوك العالمية تعترف بالفلسطينيين كدولة، بينما الإسرائيليون يواجهون مأزقا عالميا، إنهم هم الذين يقفون ضد السلام، ويرفضون التعايش السلمى مع العرب، ويساومون فى استرجاع الحقوق… و.. و…

يفعلون كل شىء ضد الاستقرار، بل إنهم هم المتطرفون، يغتصبون الحقوق، ويفرضون على المنطقة لغة العنف والتطرف والعداء.

توقفت أمام الصورة الجديدة والمتغيرة، نحن العرب الأكثرية وأصحاب الحقوق والأرض نواجه المغتصب والأقلية بالسلام والترحيب، والرغبة الحقيقية فى التعايش من أجل البناء، بينما هم يرفضون.

هذه الصورة عكست أمامى كيف نجحنا فى ظل مسيرة السلام، فى تغيير الصورة العالمية والشيئة عن العرب إلى أنهم دعاة السلام والتعايش، وأصبح خصمنا فى الوضع الذى وضعنا فيه طويلا.

وهنا أدركت حقيقة أن الفترة الماضية لم تضع هباء، وأنها استثمرت، وخلقت واقعا جديدا.

هذا الواقع الجديد يسمح اليوم للعرب بأن يعلنوا بوضوح وقوة دولتهم الجديدة، فلسطين المستقلة، ويتحدون بها إسرائيل، وليس العالم، فالعالم جميعا أصبح مع العرب و الفلسطينيين، فقد اعترفوا بها قبل أن تعلن، وأصبحت حقيقة يعرفها الجميع، ويتعاملون معها، بينما فقد عدوهم مغتصب الأرض كل أرضيته وانحسر، ولم يصبح أمامه إلا التعصب المقيت والمرفوض، وأصبح مكشوفا أمام العالم.

الواقعية العربية والسياسة  الحكيمة للسلام، صنعت الدولة الفلسطينية، وجعلتها حقيقة لا يمكن إنكارها، وهكذا لم نخسر بسياسة السلام، بينما كشفنا عدونا ووضعناه فى المكانة التى يستحقها بعد سنوات ٠٥ للصراع العربى ـ الإسرائيلى.

فقد كسبنا بسياسة السلام، بينما خسرنا بالصراع، وعلينا أن نستمر، وحتى ولو اعترفنا بأن السلام يضيع ويتبدد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى