وهج الهدوء

حقق المعادلة الصعبة.. صحفى مصرى عربى غاص فى عمق مصر ومشاكلها.. تخصص فى اقتصاد مصر والمنطقة، تناول جميع القضايا الاقتصادية من أعقدها إلى أبسطها بقلم أقرب لمبضع الجراح.. عندما تقرأه تعرف كل شىء، وصل فى أدائه إلى إقناع المتخصصين.. وحقق جماهيرية الاقتصاد وجعله مصدر اهتمام وشغف الجميع.. جعل من الاقتصاد الصعب مادة تتنافس عليها الصحف والمجلات.. وحصل للاقتصاد على الاعتراف العام بقيمته وأهميته للرأى العام.. معادلا للسياسة وأخبار النجوم.
نجح الأستاذ إبراهيم نافع فى أدائه وتخصصه بامتياز.. صعد به إلى موقع رئيس تحرير الأهرام، أقدم وأهم صحيفة عربية.. وكأنه جاء مع التغيير وتطور الوطن، فعكس بهدوئه المتوهج سياسات مصر وواقعيتها فى »الثمانينيات« فكان خير تعبير وتمثيل إعلامى لمصر ومكانتها الجديدة، ثم أصبح رئيسا للمـؤسسة، فأدرك دوره، وانتقل من الأهرام الصحيفة العريقة القوية إلى المؤسسة الرائدة والمتشعبة، متعددة الأدوار والمهام فى بلدها ومنطقتها.. وكأنه جاء مع النهضة الشاملة لمصر فى عصر مبارك.. فجعل من الأهرام صحيفة دولية تصدر من القاهرة وتطبع فى أوروبا وأمريكا للعرب جميعا.. وأعقبها بسلسلة من الإصدارات المتنوعة التى غطت جميع مجالات الحياة وبكل اللغات.. فأصدر مجلة للطفل وثانية للشباب، وثالثة للمرأة، ورابعة للرياضة وأسبوعيات ناطقة بالإنجليزية والفرنسية. ومطابع عملاقة وحديثة ومراكز ومعاهد قوية، ثم أعقب كل ذلك بهذا الإصدار »الأهرام العربى«، الذى تخاطب به مصر عالمها العربى.. عبر أول مجلة عامة تصدرها الأهرام.. هذا هو إبراهيم نافع ـ الصحفى ورئيس التحرير، ورئيس المؤسسة..
أما إبراهيم نافع النقيب.. فقد حصل على مكانة عالية سجلت وحفرت فى تاريخ الصحافة العربية.. عندما أدار بهدوء وحكمة بالغة معركة تصحيح قانون الصحافة، والتى عرفت بقانون ٣٩.. فسجل للصحفيين ولنقابته فى عهده انتصارا بالغا لحرية الصحافة..
وسجل عبر انتصارات نقابية متتالية تاريخا حافلا، استحق عليه أن يحصل على ثقة نقابته أربع دورات متتالية. وامتد دوره النقابى لإعادة الروح لاتحاد الصحفيين العرب، عندما أعاد حيويته ونشاطه بعد أن تم تجميده فى بغداد وانتقل به إلى القاهرة، ليشع بخدماته تحت رئاسته لكل الصحفيين العرب فى الخليج والمشرق والمغرب العربى..
جرت كل هذه الوقائع أمامى وأنا أستعرض أحدث مؤلفات إبراهيم نافع، التى صدرت أخيرا.. »حوارات للتاريخ« التى ضمنها أو رسم خلالها فكر وشواغل مجموعة مؤثرة لأهم قادة وزعماء العرب والعالم، والذين التقاهم فى أحاديث صحفية، قدم من خلالها وثيقة تاريخية لأهم أحداث وشخصيات العقدين الأخيرين من القرن العشرين.
وتذكرت أن هذا الكتاب الذى صدر ليعيد تذكيرنا بمكانة الصحفى ودوره.. قد استعرض أمامى هذه الصورة الجميلة من العمل المتواصل والجاد الذى يأخذ به الأستاذ نفسه منذ أن علمنا العمل الصحفى فى القسم الاقتصادى بالأهرام، إن النجاح والمكانة والدور لا تأتى مصادفة، ولا يصنعها التمنى أو الرغبة أو المنصب، ولكن الإرادة والتصميم والعمل فى الصباح والمساء، وفى كل وقت وباستمرار.. كل ذلك مع التجرد وحب الجميع، والأهم حب الوطن والإخلاص لمن يخلص له.
فقد أعطى إبراهيم نافع مهنته وزملاءه ومؤسسته ووطنه كل وقته وحياته، وحصل على حب الجميع ومنحه الله النجاح لكل عمل يرعاه.. لأنه يستحقه، ودفع الثمن من صحته، فحق علينا أن نذكره بالدعوات والتمنيات بالشفاء والعودة بالسلامة بعد رحلة علاج طويلة وكتابه الجديد، باقة حب وتهنئة.. على وعد بأعمال وإنجازات جديدة وفكر متوقد، وهجى حقيقى يقدمه لنا »بهدوء« عرفناه به وعنه.

