مقالات الأهرام اليومى

التغييرات السياسية والاقتصادية في مصر‏!‏

التخلص من التشاؤم الآن ضرورة ملحة مصريا‏,‏ لانتعاش الحياة السياسية والاقتصادية‏,‏ في ظل ترقب تغيير مؤثر‏,‏ فنقاء الأجواء سوف ينعكس علي وضعنا الإقليمي‏,‏ وعلي حياة الناس مباشرة‏.‏
بالرغم من تلهفنا علي بعض التغييرات الحقيقية‏,‏ التي سوف تشمل بعض أوجه الحياة في مصر‏,‏ فإنه يجب أن نكون حذرين‏,‏ فطالما قطعنا أشواطا في التطور‏,‏ ولكننا سرعان ما عدنا إلي حالة من الحذر تحولت إلي جمود مخيف‏,‏ تتراكم في ظله أخطاء‏,‏ قد تجعل التحرك من جديد صعبا‏,‏ خاصة مع وجود قيادات وزارية وإدارية من العيار المتوسط‏,‏ محدودة القدرة علي الخوض في المناخات المعقدة‏,‏ فهي تؤثر السلامة‏,‏ وتكرس للأمر الواقع‏,‏ وتكون النتيجة هي التحول إلي مناخات أقسي وأشد صعوبة عندما نتحرك مستقبلا‏,‏ لأننا في هذه الحالة سوف نفقد ميزة المبادرة‏,‏ وجعل تغييراتنا الإيجابية المتدرجة وسيلة فعالة‏,‏ لإحداث تغيير حقيقي نحو التطور‏.‏

والمراقب يرصد أن المناخ السياسي في مصر حدث به تطور هائل‏,‏ مثل تشكيل المجلس الأعلي لحقوق الإنسان‏,‏ وهو مؤسسة جديرة بالإشادة‏,‏ في مجتمع يتحول إلي الديمقراطية‏,‏ كما أنه لبنة أولي أو بنية أساسية لا غني عنها‏,‏ في تطورنا الديمقراطي في المستقبل‏,‏ وقد جاء اختيار رئيس المجلس ونائبه ليبعث برسالة مهمة ليس للمجتمعين المحلي والإقليمي فقط‏,‏ بل إلي المجتمع الدولي‏,‏ فهما من الشخصيات المؤثرة‏,‏ وذات السمعة والمكانة المرموقة لدي مواطينهما‏,‏ ولدي الخارج ومؤسساته وتنظيماته المختلفة أيضا‏,‏ كما أن أعضاء المجلس جميعا من الشخصيات القانونية متنوعة الاجتهادات‏,‏ لأن عملية اختياراتنا التي كانت تتم عشوائيا ولا تحوطها الضوابط‏,‏ وتتم عبر أساليبنا السابقة البالية‏,‏ لا ترضي أحدا‏,‏ ولا يري فيها حتي الذين تم اختيارهم‏,‏ تقديرا أو مسئولية‏,‏ لكن الاختيار هذه المرة جاء مختلفا‏,‏ عاكسا رؤية أكثر تطورا‏,‏ وما نلمسه هنا هو أن المؤسسة الكبيرة‏,‏ التي هي قطعا‏,‏ قد اختارت الرئيس ونائب الرئيس‏,‏ دائما ما يجيء اختيارها أكثر دقة ومحاطا بكثير من الثقة والمعايير المضبوطة‏,‏ ثم تترك التفاصيل للآخرين‏,‏ فيأتي الاختيار أحيانا قليل الدقة‏,‏ وهو ما يجب أن نتلافاه في المستقبل‏,‏ حتي تعمل كل المؤسسات المهمة بنفس كفاءة ومستوي المؤسسة الكبيرة‏.‏

وعلي صعيد نفس التحرك‏,‏ جاء قرار إلغاء‏7‏ أوامر عسكرية متنوعة‏,‏ ما بين حظر البناء إلي هدم فيلات وحيازة أجهزة تنصت وجمع التبرعات‏,‏ واستبعاد‏6‏ أنواع من الجرائم من محاكم أمن الدولة‏,‏ ولكن إلغاء هذه القرارات‏,‏ لا يعني السماح بارتكابها‏,‏ والتساهل معها‏,‏ بل اعترافا بأن القانون الطبيعي أو العادي قادر علي منعها ومحاكمة مرتكبيها‏.‏
وكل ذلك يؤكد‏,‏ محاصرة قانون الطوارئ والاقتراب تدريجيا من إلغائه‏,‏ فلم يعد استخدامه يمتد إلا للجرائم الخاصة بعمليات الإرهاب والمخدرات والنظام العام‏.‏

أما علي صعيد التغييرات الجوهرية‏,‏ التي نرصدها في المجال الاقتصادي‏,‏ فإن أبرزها هو التعديلات الجوهرية في البنود الجمركية‏,‏ والتي شملت أكثر من‏700‏ بند في مختلف السلع‏,‏ كان محورها‏,‏ فتح السوق المصرية لتشجيع حركة جذب الاستثمارات‏,‏ لأن تخفيض الجمارك علي خامات السلع ومستلزماتها‏,‏ يقلل من تكلفة المنتج المصري‏,‏ ويزيد من قدرته علي الوجود في السوق المحلية‏,‏ والنفاذ للأسواق الخارجية‏,‏ كما أن التعديلات الجمركية سوف تزيد من قدرتنا علي التعامل مع المنظمات الدولية وخاصة مع منظمة التجارة العالمية‏,‏ مما يعكس قدرة الإدارة علي احترام تعهداتها واتفاقياتها‏,‏ وعدم لجوئها إلي فرض رسوم تعسفية علي بعض السلع‏,‏ تؤدي إلي تقليل مكانتها التجارية‏,‏ الدولية‏,‏ كما أن الرسوم الجديدة‏,‏ والتخفف منها سوف يساعد في معالجة الكثير من التشوهات في التعريفة الجمركية‏,‏ فهي تتحيز للمنتج والمصنع في الخارج علي حساب المنتج المحلي‏,‏ الذي يساعد علي إيجاد إنتاج مصري وإيجاد وظائف للمصريين‏.‏
لكننا نتطلع إلي سرعة صدور قانون الاحتكار‏,‏ حتي نحمي الاقتصاد‏,‏ لأن مخاطر الاحتكار كبيرة‏,‏ ولا يمكن أن نرضي بعض المنتجين علي حساب المستهلكين‏,‏ أو نحصر الإنتاج في أيدي مجموعة صغيرة‏,‏ فالذي سيدفع الثمن حينها هو كل الاقتصاد‏,‏ كما أن قانون الاستثمار المرتقب‏,‏ والتصحيح في قوانين الضرائب والإصلاحات في الجهاز الإداري للدولة فيما يخص تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي‏,‏ ستكون لها تأثيراتها المهمة علي سوق العمل وعلي حجم الأداء الاقتصادي المصري‏.‏

والأهم‏,‏ هو أن الحكومة قررت‏,‏ أو أن هناك نية لدي البعض تتجه إلي وصل ما انقطع من إصلاحات التسعينيات‏,‏ بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين‏,‏ للتوصل إلي برنامج جديد لمواصلة عملية الإصلاح الاقتصادي بجدية لازمة ومستمرة‏,‏ لأننا لن نشعر جميعا بنجاحات عمليات الإصلاح إلا إذا استطاعت الحكومة جذب مزيد من رءوس الأموال والشركات العالمية للعمل في بلادنا‏,‏ لأننا في حاجة ملحة لإنعاش الأسواق‏,‏ والخروج من مرحلة الكساد والجمود الراهنة‏,‏ والأموال القادمة من الخارج والشركات العالمية‏,‏ تعني مزيدا من الضمانات‏,‏ وإعلانا حقيقيا للثقة في الاقتصاد المصري‏,‏ وأن برامجه للتغيير متجددة ومستمرة وتتسم بالحيوية والإرادة القوية‏,‏ وليس ردود فعل لأزمة راهنة‏.‏
لكن عمليات فتح الأسواق‏,‏ وتحرير التجارة‏,‏ سواء عن طريق اللجان المشتركة العربية أو الشراكة الأوروبية‏,‏ والكوميسا وغيرها لن تكون ذات أهمية‏,‏ بدون بروز قوة مصرية إنتاجية كبري في مجالات الصناعة والزراعة والخدمات‏,‏ وحتي يكون لدينا مثل هذه القوة‏,‏ فإن محورها الرئيسي جذب الأموال والشركات العالمية للاستثمار في مصر‏,‏ ولن ينجح كل ذلك إلا بتجديد روح برنامج الخصخصة المصري واستقطاب خبراء عالميين لإدارته بروح مبتكرة‏.‏

فالاستثمارات والأموال الأجنبية‏,‏ هي الثمرة الناضجة التي يمكن أن تحصل عليها مصر في المرحلة الراهنة نتيجة إصلاحاتها السياسية والاقتصادية‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى