مقالات الأهرام اليومى

الحكومـة الجديـدة‏..‏ وكتائب التخويف

أعضاء الحكومة ومحافظوها‏,‏ هم أداة الدولة الرئيسية في التفكير والتنفيذ‏,‏ ولكي ينجحوا في مهامهم يحتاجون إلي مناخ موات‏,‏ يعمل معهم ولا يقف ضدهم من خلال ممارسة عادة لي الذراع‏,‏ وإثبات الوجود المقيتة‏,‏ التي يمارسها البعض منذ أن فتح الباب الواسع للحريات‏.‏
فصعوبات العمل وتغيير المجتمع‏,‏ أضيفت إليهما أعباء مواجهة تلك الآفة‏,‏ لأن مخاطرها أصبحت كبيرة وتأثيرها علي عملية التحديث تصل إلي درجة إحداث شلل للحكومة عن اتخاذ القرار القوي والحاسم‏,‏ في الوقت المناسب الذي تحتاجه بلادنا لإصلاح الاختلالات الجوهرية والعميقة‏.‏

ويجب في البداية أن نوجه التهنئة الي رئيس الحكومة د‏.‏ أحمد نظيف ووزراء حكومته‏,‏ ونعترف بأنها خطوة متقدمة في برنامج ذكي لتحديث مصر وتطويرها ودفعها إلي الأمام‏,‏ ولأن الخطوة الأولي في مكانتها‏,‏ قد تمثلت‏:‏
أولا‏:‏ في جيل جديد بالفعل أصبح يتولي المسئولية المباشرة للحكم عبر بوابة الحكومة في مصر‏,‏ بعد طول انتظار للتغيير والتجدد‏.‏

وثانيا‏,‏ في ايجاد مناخ للعمل‏,‏ أنهي بوضوح مراكز القوي والتسلط‏,‏ فظهرت مجموعة جديدة‏,‏ تكون وعيها العام في نهاية الستينيات مع هزيمة يونيو الكبيرة والفادحة في‏67,‏ فأدركت معناها وتجاوزتها في بداية السبعينيات‏,‏ عندما خططت لهزيمة الهزيمة‏,‏ وامتلكت شجاعة اتخاذ قرار الحرب‏,‏ والقدرة علي تنفيذه بنجاح قياسي‏,‏ فتحقق الانتصار بعد أن تم استيعاب القوي غير المواتية‏,‏ في ظل إمكانات محدودة‏.‏
وهذه هي قدرة جيل أكتوبر وقياداته في القوات المسلحة‏,‏ ليس في النصر وحده‏,‏ رغم أهميته‏,‏ لكن في إحاطته بالظروف المحلية والاقليمية والعالمية التي عمل في ظلها وتأثر بها‏,‏ ونتوقع من الجيل المدني‏,‏ الذي ولد في ذلك المناخ‏,‏ أن يرتقي إلي مكانة الجيل الذي قاد الحرب وانتصر في ظروف صعبة‏.‏

ولعل البداية الناجحة‏,‏ فيما جري بين د‏.‏ عاطف عبيد‏,‏ رئيس الحكومة السابقة ود‏.‏ أحمد نظيف‏,‏ رئيس الحكومة الجديدة‏,‏ تعطي للأول لقب الفارس‏,‏ وللثاني الـ جنتلمان في أسلوب التسليم والتسلم‏,‏ والاعتراف بالدور‏.‏
وهي طريقة سليمة‏,‏ تنم عن قيم وأخلاق مطلوبة في صناعة المؤسسة والفريق المدني الكفء‏,‏ تحمي التراكم وتكرس لغة جديدة‏,‏ وتتحلي بمبادئ صحية‏,‏ تصنع روح الفريق وتؤكد أسلوب الجماعة وتحترم المؤسسة‏.‏

وأقولها بكل صراحة‏,‏ إن التأخير في هذا المجال ليس مسئولية الحكومة أو الإدارة السياسية وحدها‏,‏ فالقدرة علي تنظيم المجتمع المدني ورفع قيمته واحترامها لدي الجميع‏,‏ هي مسئولية عامة‏,‏ خاصة النخب والجمعيات والنقابات‏,‏ ومؤسسات المجتمع المدني‏,‏ التي تجعل الانتقال إلي المجتمع الديمقراطي سهلا وميسورا‏,‏ ومأمونا‏.‏
فأول مبادئ الديمقراطية هو أن نتحلي بالضمير والانتماء والقيم الانسانية الرفيعة‏,‏ التي تجعلنا نهييء المناخ للحكومة ونشاركها في العمل المفيد‏,‏ فنتواصل معها دون عقبات‏,‏ ومادام ذلك يحقق أهداف المجتمع‏,‏ فيجب ألا نضع العراقيل أو نخوف الحكومة من العمل الجدي‏,‏ حتي تكون قادرة علي مد إصلاحاتها للجميع‏,‏ وأولها أن تسير الحكومة في طريقها بمباديء واضحة قوية‏,‏ نحو تقسيم عمل حقيقي بينها وبين الشعب‏,‏ وهذا يعني نقل الملكية للشعب‏,‏ وليس تكريسها في أيدي الحكومة‏,‏ وهو ما يعرف باسم برامج التخصيصية‏.‏

كانت الحكومة السابقة تعرف أن هذا هو دورها‏,‏ لكنها تقاعست حتي وصلت‏,‏ إلي أن الأسواق أصبحت لا تساعدها‏,‏ ووقف ضدها الركود وهروب الأموال وأزمة المستثمرين‏,‏ إضافة إلي أن هناك شارعا أو رأيا عاما‏,‏ مازالت نخبه ومثقفوه وموظفوه وبيروقراطيته القوية‏,‏ تري في رجال الاعمال ومنظماتهم مرتزقة ينبغي محاربتهم‏,‏ والأخطر أن هناك من ينظر إليهم علي أنهم مجرمون يستحقون المحاكمة‏,‏ مما أدي إلي هروب الأموال وتخويف المستثمرين‏.‏
لكن مهمة الحكومة هي تهيئة المناخ الاستثماري‏,‏ وتطبيق القوانين علي كل الفئات والإصرار علي سرعة تنفيذها وعدم تجاوزها‏,‏ حتي يكون لها القدرة علي اجتثاث منابع الفساد‏,‏ والمساواة بين الجميع ليحترموا الدولة‏,‏ وإذا كان هذا هو دور الحكومة‏,‏ فإن الشعب‏,‏ تقع عليه مسئوليات أيضا‏.‏

ولعلنا نذكر أن رئيس الحكومة السابقة تحاور مرة واحدة مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات ورؤساء الأحزاب وممثلي الرأي العام لشرح سياساته ولم يكررها‏,‏ فانعدمت لغة الحوار‏,‏ تحولت إلي عدم ثقة بينه وبين الشارع‏,‏ حتي أصبح ما يقوله لا يأخذه الشارع والناس بجدية‏,‏ ويعتبره نوعا من الدعاية‏,‏ مع اعترافي بأنه بذل جهدا خارقا لتجاوز الأزمات الاقتصادية التي تكومت أمامه في السنوات الثلاث الماضية‏,‏ وأثرت علي أداء حكومته نتيجة أخطاء سابقة عليه‏,‏ وتحمل قرارات شجاعة للإصلاح لم يحصل علي ثمرتها بعد‏,‏ وستكون من نصيب الحكومة الجديدة‏,‏ التي يجب‏,‏ بدورها‏,‏ ألا تكرر الأخطاء السابقة عليها‏,‏ وتضع نصب أعينها مصارحة الناس بالمشاكل‏,‏ وما تطلبه من الجميع‏,‏ حتي لا تتحول القوي المعارضة إلي كتائب تخويف تشل الحكومة وتعرقل نموها‏,‏ خاصة أن الحكومة الراهنة ستكون مطالبة بالمصارحة أكثر من غيرها‏,‏ إذا كانت ستتجه إلي تهيئة الإصلاح الحقيقي في كل مجالاته‏,‏ تحديدا بالنسبة لعلاقة الأوضاع الاقتصادية‏,‏ والحقوق الاجتماعية‏,‏ فإن الفصل بينهما سيكون ضروريا حتي يصل الدعم إلي مستحقيه‏,‏ خاصة في أهم مجالين الصحة والتعليم‏.‏
فالإصلاح يعني المشاركة‏,‏ وأن يدفع القادر ثمن الخدمة التي يحصل عليها‏,‏ ويتحمل المجتمع والقادرون ما لا يستطيع أن يدفعه غير القادرين‏,‏ لكن أن تترك الأمور كما هي الآن‏,‏ فهذا يعني إضعاف الدولة والمجتمع معا‏,‏ لأن تقديم خدمات بلا تكلفة‏,‏ يجعل قيمتها متواضعة‏,‏ كما في التعليم عندما تتفشي الدروس الخصوصية‏,‏ تنهار الجامعات الكبري لصالح الجامعات الجديدة‏,‏ ونصبح مطالبين بالعلاج والموعظة الحسنة‏,‏ وليس بالأساليب الاقتصادية‏.‏

‏..‏ وأخيرا يجب أن نملك زمام أمورنا بحكومة ثابتة وقادرة‏,‏ ونخب ومثقفين وقوي سياسية واعية‏,‏ متحلية بالضمير الوطني والرؤية بعيدة المدي‏,‏ مؤمنة بأن للتغيير ثمنا سوف ندفعه‏,‏ وأنه لا تقدم دون مشاركة من الجميع بمسئولية وأمانة‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى