مقالات الأهرام اليومى

مستقبل مصر‏..‏ وبيان الحكومة

لم يحمل بيان الحكومة أخبارا طيبة‏,‏ كما تعودنا‏,‏ فلم ينافقنا د‏.‏ أحمد نظيف‏-‏ رئيس الحكومة‏-‏ خاصة‏,‏ ونحن في عام الانتخابات‏,‏ ويقدم‏-‏ كأسلوبنا القديم المتبع منذ سنوات طويلة‏-‏ رشاوي انتخابية‏,‏ يدغدغ بها مشاعر البعض بمسكنات أو مراهم لا تغني ولا تسمن من جوع‏.‏

لكنه‏,‏ للأمانة‏,‏ سار علي نفس المنوال الذي بدأ به حكومته‏,‏ منذ خمسة أشهر نحو دفع حركة الإصلاح الاقتصادي‏,‏ بابتكار سياسات جديدة‏,‏ وهذا الأسلوب أفضل وأضمن لمستقبلنا‏,‏ وهو في حد ذاته خبر طيب‏.‏

ما أقصده أن بيان الحكومة‏,‏ بدلا من أن يعلن عن تقديم عدد من الوظائف كتعيينات جديدة‏,‏ قد ترضي البعض أو حتي الأغلبية‏,‏ وهي في الواقع تكدس جهاز الحكومة البيروقراطي ببطالة مقنعة‏,‏ بدلا من ذلك كله‏,‏ سار في طريق تهيئة مصر إلي النمو الحقيقي‏,‏ من خلال زيادة الاستثمار الوطني والأجنبي‏,‏ وزيادة الصادرات في السلع والخدمات‏.‏

وحدد أساليب توفير الحماية للفئات محدودة الدخل‏,‏ لتلقي الخدمات الضرورية‏,‏ طبقا لاحتياجات ومستوي دخولها‏,‏ وبلا شعارات أو أوهام كبيرة‏,‏ أظهر أن هناك طرقا وأساليب حديثة لحمايتهم‏,‏ وقال إنه سوف يغير في سياسات التعليم‏,‏ والصحة‏,‏ بحيث يستطيع أن يوفر تمويلا حقيقيا لتلك الخدمات الضرورية بالتدريج‏,‏ وتحميل بعض القادرين تمويل نفقاتهالحساب غير القادرين‏.‏

ولكن دعنا نتحفظ علي قدرة الحكومة علي تنفيذ بيانها أو أهدافها‏,‏ فعادة ما تجد مقاومة من النخب والجماعات المستفيدة من بقاء الأوضاع الراهنة علي ما هي عليه‏,‏ ونظرا لأن مناعة أعضاء الحكومة علي المقاومة ضعيفة‏,‏ فإنهم يهربون من المواجهة‏,‏ ولا يجدون أمامهم إلا بقاء الوضع الراهن علي حاله‏,‏ بما يهدد كل مؤسساتنا التعليمية‏,‏ خاصة جامعاتنا‏,‏ ومستشفياتنا‏,‏ التي تتردي مستوياتها يوما بعد آخر‏,‏ وأصبحت في وضع يرثي له‏,‏ في وقت نحن في حاجة فيه إلي أن تعود المكانة والمستوي إلي الجامعات القديمة والمستشفيات العريقة‏,‏ بحيث تسترد سمعتها‏,‏ كمؤسسات تعليمية وعلاجية ذات مستويات عالية وعالمية متفوقة‏,‏ ولن يتحقق ذلك بدون تخليصها من السيطرة البيروقراطية الحكومية‏,‏ وبدون استقلال جامعي‏,‏ وإيجاد إمكانات تمويلية كبري‏,‏ وإدارة حازمة‏,‏ وحكومة لا تتدخل في شئون الجامعات‏,‏ بل تتركها لمؤسسة رقابة الجودة وقياس المستوي‏,‏ حتي تنتقل من جامعات ومدارس الكم إلي الكيف‏,‏ ليكون خريجوها هم قاطرة التنمية الحقيقية‏.‏

أما الهدف المهم‏,‏ فهو ترسيخ دولة المؤسسات في مصر‏,‏ واحترام الحقوق والحريات‏,‏ وتعزيز استقلال القضاء‏,‏ وقاعدة المشاركة في الحياة السياسية‏,‏ فلاشك أن هذه الاستحقاقات هي اللبنة الأولي لقيام نظام ديمقراطي حقيقي في مصر بلا فوضي أو ردة‏,‏ والنجاح في تحقيقه سيجعلنا في درجة متقدمة من التطور والنمو الاقتصادي‏.‏

وبعيداعن لغة الأرقام والبرامج العشرة الواردة في البيان‏,‏ فإنني أعتقد أن لغته المحكمة‏,‏ والبنود المحددة لتحويله من سياسات نظرية إلي حقائق علي الأرض‏,‏ تجعله من البيانات التي كتبت بعناية فائقة‏,‏ بل بمنهج بحث قابل للتنفيذ‏,‏ وهذه لغة جديدة علينا‏,‏ فهي لم تكتب للمتخصصين‏,‏ بل لرجل الشارع‏,‏ فمن سينفذ هذه السياسات هي قوي المجتمع ومؤسساته‏,‏ خاصة القطاع الخاص والمجتمع المدني‏,‏ وليست الحكومة وحدها‏.‏

ودعنا أيضا ننتظر‏,‏ فالنتائج الأولية لتطوير الأداء الاقتصادي التي ظهرت في قانون الضرائب الجديد‏,‏ وقانون الجمارك‏,‏ وإسقاط دولة الجباية‏,‏ في أهم موردين من موارد الدولة‏,‏ كان لهما تأثير سحري علي مناخ الاستثمار‏,‏ وتمثل ذلك في زيادة شعور المستثمرين‏,‏ ورجال الأعمال‏,‏ بأهمية تلك السياسات‏,‏ وبالروح الجديدة التي دبت في السوق‏,‏ فقد كان من تأثيرها أن ارتفعت أرقام سوق الأسهم أو البورصة بنسبة‏100%‏ هذا العام‏.‏وحل مشاكل المتعثرين مع البنوك‏,‏ سيؤدي إلي عودة أموال كثيرة هاربة‏,‏ والأهم هو بث روح جديدة في سوق الاستثمارات‏.‏

ولا يفوتنا هنا ما ذكرته في الأسبوع الماضي‏,‏ حول أن مصر هي فرنسا العالم الجديد بعد التغيير الذي ينصب حول هذه السياسات‏,‏ التي راهن عليها الاقتصاديون والسياسيون في المنطقة‏,‏ ورأوا أن مصر عائدة بقوة‏,‏ كبلد مؤثر في المنطقة وفي العالم‏,‏ وأن ملامح هذه العودة‏,‏ وذلك التأثير‏,‏ ظهرا في تلك الروح الإيجابية التي راحت تدب في البلاد‏,‏ لأن السياسات الإصلاحية الجارية لن تكون جزئية‏,‏ بل ستعمل علي الإصلاح الكلي‏.‏

في هذا الصدد تلقيت تعليقا من خبير مصري هو د‏.‏ محمود عمارة‏,‏ يري فيه أن مصر قادرة‏,‏ بالفعل‏,‏ علي اجتذاب نحو‏20‏ مليون سائح سنويا‏,‏ بما تملكه من كنوز العالم القديمة‏,‏ إضافة إلي شواطئها وشمسها‏,‏ ولن يحدث ذلك إلا بإصلاحات جذرية للعاصمة القاهرة‏,‏ وتطوير لكل شواطئ البحرين المتوسط والأحمر‏,‏ والإمكانات موجودة‏,‏ لكنها تحتاج إلي تنظيم دقيق‏,‏ وجعل احترام القانون سمة بارزة في كل المؤسسات والمنشآت المصرية‏,‏ مع تدريب العمالة ورفع مهارتها‏,‏ وكل ذلك سوف يحدث نقلة كبري في صناعة السياحة في مصر‏,‏ كما أن الإمكانات الزراعية المصرية‏-‏ بحكم المياه والمناخ‏-‏ تجعلها من الدول المنتجة الكبري في هذا المجال‏.‏

ومصر‏..‏ التي حباها الله بالنيل والموقع الجغرافي الذي يتوسط السوق الأوروبية والعربية والإفريقية‏,‏ ومازال شعبها يعيش علي‏6%‏ من مساحتها‏,‏ يمكن وقتها أن تكتفي ذاتيا وتصدر حاصلات زراعية وزهورا وبذورا وشتلات وخضرا وفاكهة‏,‏ ونباتات طبية‏,‏ وزيوتا عطرية‏,‏ وصناعات غذائية بعشرة وعشرين وثلاثين مليار دولار‏.‏ وهي لا تنقصها سوي الإرادة السياسية‏,‏ ولا تحتاج إلا إلي حكومة شجاعة جريئة‏,‏ حرة‏,‏ قادرة علي تحمل المسئولية دون انتظار توجيهات‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى