الرأى العام العربى

مازال البعض من السياسيين والمثقفين سواء من العرب أو الأجانب.. يتصورون غياب أو عدم وجود رأى عام عربى، وينطلقون من هذا التصور الخاطىء
والبعض الآخر وهم الأكثرية من صناع القرار لديهم تصورات أخرى تكاد تكون غامضة وضعيفة، وبعضهم أيضا مازال يعيش فى رحاب عصور ما قبل ثورة وسائل الإعلام والاتصالات.. ووصل إلى قناعة مؤداها أن قدرة وسائل الإعلام الموجهة محليا على صناعة هذا الرأى العام، وتوجيهه كما تشاء بإخفاء معلومات أو تقديم معلومات أو تكثيف معلومات..
كما وصل للغرب قناعة ـ خاصة فى الولايات المتحدة وأوروبا ـ أنه مادام لا تأثير للرأى العام العربى على القرار فى المنطقة.. فإنه غير موجود، أو مادام لا تأثير له.. أو أن هذا الرأى العام مشوش وضعيف القدرة، لأنه لا قرار له.
وكل هذه التصنيفات أصبحت غير حقيقية.. بل غير منصفة للرأى العام العربى.. الموجود والقوى فعلا.. والذى بدأ فى السنوات الأخيرة يبزغ وينمو باضطراد، وأعتقد أنه خلال سنوات قليلة سيصبح الرأى العام صانع القرار فى المنطقة العربية ككل، تذكرت كل ذلك، وأثر الرأى العام العربى عقب مؤتمر الدوحة الاقتصادى.. فلقد كان لموقف العرب ورد فعلهم على سياسات »نيتانياهو« الرامية إلى عقاب مستمر للشعب الفلسطينى الذى قبل بالسلام مع إسرائيل فى عهد حكومتى رابين و بيريز، ثم غدر به الليكود ونيتانياهو عندما صعد للحكم فى إسرائيل، وغدر بآمال السلام فى المنطقة، من هنا فإن العرب شعروا بالغبن والحزن الداخلى.. إذ كيف يقبلون بالسلام الصعب مع إسرائيل، فى حين أنهم أصحاب الأرض والمضطهدون والمعتدى عليهم.. وأن إسرائيل سلبت حقوق الفلسطينيين فى حلمهم بالوطن، والعرب فى الشعور بالاستقرار، واضطهدت الجميع بعنصرية فجة.. كيف نقبل بالسلام ونعترف بهم وسط أراضينا.. فى حين أنهم هم اليوم الذين يواصلون الاعتداء، وينسفون السلام، وكان أبسط رد عربى من الأكثرية العربية هو مقاطعة هذا المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى الدوحة فى حضور دولة إسرائيل والمجتمع الدولى، هذا القرار جاء من الأغلبية العربية.. كرد فعلى طبيعى لاحترام شعور هذا الرأى العام.
وكان عدم حضور مصر وهى الدولة العربية التى لها علاقات مع إسرائيل إعلانا واضحا، ليس ضد السلام الذى تعترف به ـ ولكن ضد سياسات نيتانياهو ـ وإعلاء لشأن الرأى العام العربى، واحتراما له وتفاعلاته معه.. وهو ما ثبت بعد انتهاء المؤتمر، والتجارب الذى لقيته مصر من مختلف الأوساط العربية ـ التى تضع الحقوق ومصالح العرب العليا ـ قبل المغانم والصفقات الرخيصة.. التى من الممكن بسهولة تجاوزها مع المصالح العربية الاستراتيجية العليا.. كما احترم الرأى العام ـ القرار السعودى والمغربى فى هذا الشأن، رغم حضورهم المؤتمرات السابقة ـ أما الموقف السورى فهو طبيعى، لأن عملية السلام لم تمتد بعد إلى سوريا ولبنان..
ولذلك كانت دهشة العرب جميعا من رد الفعل القطرى على عدم حضور مصر، وتخصيص المؤتمر الصحفى لوزير خارجيتها عقب مؤتمر الدوحة للهجوم على الموقف المصرى من عدم حضور المؤتمر الذى عقد فى قلب دولة خليجية عربية صغيرة.. بناء على رغبة إسرائيلية مدعومة بإرادة أمريكية..
والشىء الذى يجب أن يذكر هنا هو استمرارية التجاوب العربى مع مصر فى عدم حضورها مؤتمر الدوحة.. وتمثل ذلك فى التعاطف العربى الشامل الذى حصلت عليه مصر، بعد هجوم وزير الخارجية القطرى على القرار المصرى ومحاولته الزج باتهامات أخرى..
فى صراع عائلى داخل قطر على السلطة.. باتهامات لمصر ودول عربية أخرى أنها ضليعة فى هذا الصراع.. كأنه يحاول تذكير القطريين أنه حدث انقلاب داخل قطر على السلطة.. أدى إلى تغيير أمير بأمير.. بالرغم أن التغيير تم بشكل طبيعى.. لأن الأمير الجديد هو ولى العهد، وابن الأمير السابق.. ولكن يبدو أن المصالح الشخصية للوزير صاحب السلطات الكبيرة فى قطر.. لم تمنعه من إثارة منازعات عربية ـ عربية لا داعى لها.. وكانت الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن المسئولين فى مصر لم يردوا عليه، وتركوا جملة حسابه للرأى العام العربى.. وأعتقد أن حساب الرأى العام سيكون عسيرا..
لأنه سيكشف كل الأوراق، وسيعامل الذىن يستهترون بالمصالح العربية العليا معاملة هم يستحقونها.. ولكن الأهم وما لانريده ولا يسعى إليه أحد أن يحاسب الرأى العام.. شعب قطر الشقيق وأميرها على أخطاء وزيره الذى تعمد الإساءة للرأى العام العربى، ويلعب ضد مصالح شعبه ويهدد استقرار بلاده ومنطقته.. بل الشعوب العربية جميعا.

