ملك المغرب أغلق ملف والده وفتح صفحة عصره

أحدث قرار العاهل المغربى »محمد السادس« بإقالة وزير داخليته العتيد »إدريس البصرى« ٠١ نوفمبر ٩٩٩١ دويا إقليميا وعالميا، وارتياحا مغربيا، ورغم مباغتة القرار، فإن العارفين بالشأن المغربى، كانوا يتوقعون القرار ويترقبونه، باعتباره بداية مغربية جديدة، وتدشينا لاعتلاء »محمد السادس« ـ عمليا ـ العرش المغربى، وما بين المباغتة والمفاجأة، يجب أن نظهر أنه بمجرد رحيل الملك الحسن الثانى، والانتقال الهادىء للسلطة إلى ولى عهده وابنه »محمد السادس«، تحول الوزير القوى »إدريس البصرى« إلى مجرد وزير للداخلية فقط، بكل معنى الكلمة،
بل إنه فى السنوات الماضية وخلال حياة الملك الراحل الحسن الثانى، وتحديدا عندما كُلِّف عبدالرحمن اليوسفى برئاسة الوزراء فى فبراير ٨٩٩١، وصعود المعارضة إلى سُدَّة الحكم التنفيذى فى المغرب، تقلَّص نفوذ ومكانة وزير الداخلية الذى ارتفع نجمه فى سنوات الخلاف بين العرش والأحزاب، وكانت حكومة التناوب وتجربة الحسن الثانى الديمقراطى، بداية حقيقية لاعتراف كل السياسيين المغاربة ـ حكومة ومعارضة إضافة إلى الشارع ـ بأهمية العرش للمغرب، وتزايد مكانته، وبالتالى فإن السياسة الأمنية والطريقة التى يتبعها وزير الداخلية فى حماية العرش بالحزم الأمنى،
أصبحت فى غير مكانها، ولم يكن يستطيع العاهل المغربى أن يستغنى عن وزير داخليته، ويفتح الصفحة الجديدة بنفسه، ولم يستطع »إدريس البصرى« أن يقلص نفوذه، ويقدم نفسه إلى الشارع والسياسة المغربية فى شكل جديد، يتناسب مع المرحلة الراهنة المختلفة عما عايشه طوال سنوات الثمانينيات والتسعينيات، منذ تكليفه بحماية الأمن والعرش المغربى فى عام ٩٧٩١.
أما عنصر المفاجأة والسرعة فى إقالة »البصرى« فيرجع سببه إلى أخطاء الوزير الذى لم يستطع أن يفهم بالإشارة وبالتلميح أن هناك مرحلة جديدة، وملكاً جديداً، فأراد أن يبسط نفوذه على الملك، وأن يُظهر للشارع وللرأى العام أنه الراعى لولى العهد، وبالتالى فهو يقلل من مكانة الملك ودوره المستقبلى، وظهر ذلك فى أسلوب معالجته لقضية الصحراء، وضغوطه للتصعيد إلى موقع أكبر.
لم يكن قرار الملك »محمد السادس« بإقالة »البصرى« مفاجئا على الإطلاق لكل من يتابعون الملك لكنه كان حثا مثيرا بلا شك فى الإعلان عن صفحة جديدة فى تاريخ المغرب الحديث، وأن الملك المتوج قد أغلق ملفاً شائكاً فى تاريخ بلاده، وبدأ فعلا حكمه بلا وصاية أو خوف من الماضى، والأهم بلا ضعف، بل إن القرار عكس قوة الملك ومصداقيته، وتطلُّعه نحو المستقبل برؤية عصرية حديثة.
ومبعث عدم المفاجأة يرتبط بقرارات الملك السابقة على الإقالة، وأهمها،عودة المنفيين ورموز المعارضة، خاصة أسرة الزعيم الخطابى وعائلة »المهدى بن بركة«، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وصورة الملك الجديدة التى يبدو خلالها وهو يطوف البلاد طولا وعرضا، يواسى الفقراء، فهو الملك الشاب الورع، الديمقراطى، العصرى، الذى ينتقل ببلاده إلى مرحلة النمو والتماسك والملكية الديمقراطية التى تنفتح على الداخل والخارج، وأبوابها مفتوحة على عصر جديد يسوده الوئام مع الجيران، والمشاكل الكبيرة تنفرج وتحل، والحوار سمة حكمه، والديمقراطية والمجتمع الحر المفتوح وبناء المؤسسات واستكمال نهضة البلاد.
ولم يكن ولن يكون شخص مثل »إدريس البصرى« عائقا أمام كل هذه التوجهات، لكنه بلاشك رمز من رموز عصر مضى وانتهى، ويجب أن تقلب صفته لتفتح صفحة جديدة فى عصر متغير، ولم يتأخر الملك »محمد السادس«، لكنه ينتقل بسلاسة وحكمة من نقطة إلى أخرى، معلنا عن عهد مغربى جديد يقوده الشباب بحكمة وحنكة ملحوظتين.

