الحلم لم يكتمل بعد

إذا توقفنا أمام آخر صورة لعام فى الذهن العربى قبل الرحيل، فلا يمكن أن تضيع منها الضربات المتلاحقة للعراق، وموقف العرب.. وشعور الشارع العربى بالإهانة، وعدم القدرة على الفعل.. وطارت من الصورة زيارة الرئيس الأمريكى إلى غزة وبيت لحم وبداية انتعاش الأمل الفلسطينى بدولة مرتقبة، فى ظل انهيار السلام لسيطرة اليمين الإسرائيلى والأزمة السياسية فى إسرائيل، والصراع المرتقب داخل السلطة..
وضياع هيبة الرئىس الأمريكى وتحويله للمحاكمة وإذا استمررنا فى حصر الصورة العربية.. فسنجد أن أبرز سماتها هو الحصار والضرب لكل الفاعليات والبلدان العربية ـ العراق تحت الحصار والدمار والحرب.. الفلسطينيون فى محنة السلام وضراوتها أصعب بالفعل من الحرب والمقاومة.. السوريون واللبنانيون كل شىء على مسارهما مجمد.. ليبيا تعيش الحصار منذ سنوات وتنتظر محاكمة لوكيربى بكل تبعاتها.. السودان يعيش أزمة اقتصادية حادة وسياسية أعنف وحربا داخلية وصراعا لا يعرف كيف ينتهى..
وليس له أجندة للحل أو حتى للمناقشة؟ فى الخليج العربى.. خرجت قمتهم بحقائق العصر.. يدخلون القرن الجديد، مجردين من كل عناصر الثروة والقوة، بل يلاحقهم الشعور بالهزيمة.. رغم استطاعتهم الدفاع عن دولة الكويت عند احتلالها، وكان التحرير بتكلفة وإنهاك اقتصادى وسياسى غير متصور، كشفت حقيقته عن أزمة حادة.. فتحت الباب للتدخل الخارجى، واستنزاف الموارد وتزامن ذلك مع انهيار أسعار البترول وبداية دخول أغنى منطقة عربية إلى مرحلة جديدة.. اقتصادية وسياسية وإذا فصلنا الأمور فى الخليج العربى..
فسوف نجد أن أجندة الأزمات والتناقضات، وما يفرق بين بلدانها أكبر كثيراً مما يجمعها رغم سياج نجاح مجلس التعاون واستمراره كتنظيم إقليمى وحيد.. مازال يعمل ويجتمع ويتناقش، وله أجندة وأولويات لمواجهة المشاكل ـ كما أن حكام الخليج مازالوا يتمتعون بحس عربى ورغبة أكيدة لتجاوز العقبات والمشاكل التى وجدوا أنفسهم فيها.. وكانت قدرتهم على مواجهتها محدودة.. وإذا انتقلنا إلى المغرب العربى..
هو الآخر مازالت أزماته مستحكمة.. والجزائر تكاد تغرق فى حرب أهلية ومواجهة صعبة مع الإرهاب.. طحنت الدولة والشعب وغيبت الدور الجزائرى عربياً ودوليا.. بل صعبت الحياة على أبناء الجزائر، وإذا استمررنا سنجد أن شعوب المغرب تعانى أزمة اقتصادية، وغياب عن العالم العربى.. رغم أنهم جزء يتأثر ويؤثر فى المسار والمستقبل العربى ككل.. وحال الشام والمشرق.. لا تختلف كثيراً عن المغرب..
وهكذا فالرصيد من الأزمات أعلى ويتزايد.. والصورة عن حال العرب وهم فى عشية القرن العشرين صعبة وقاتمة ويغلب عليها التشاؤم، وإذا تحدثنا عن المشاريع المستقبلية والاقتصادية والسياسية والثقافية واللغة العربية، سنجد أن كل ذلك يواجه أزمات حادة، بل إن حال الدين والصحوة الإسلامية.. تواجه ذات هذه الأزمات الحادة.. فالإرهاب والتطرف يترصدان الصحوة الإسلامية ويحاول أن يسرقها، ويبعدها عن المسار الصحيح، بأن تكون ثورة مستقبلية تشد العالم العربى وتدفعه نحو المستقبل والتطور والنمو ـ بدلاً من أن تجذبه إلى الخلف وتحصره فى البحث عن ماضيه بديلا عن مستقبله.
هذه الصورة هل تعنى أن نقول إننا منطقة بلا مستقبل.. ورصيدنا من الإنجازات محدود ودورنا المستقبلى شبه معدوم.. لا أستطيع أن أصف حالنا بذلك.. ولكن الموقف الصعب، والدائرة التى تحاصرنا تكشف عن أننا يجب أن نتطلع إلى المستقبل بروح جديدة، وأن الصعوبات التى تواجهنا تجعلنا نرى أن الخروج من أزماتنا ليس طريقنا أصعب من واقعنا.. بل إن هناك وضوحاً للمسار.. أصبحت تفرضه الأحداث، بل إن الأجندة المستقبلية قد وضعتها الأحداث التى نواجهها.. ولم نضعها نحن بأنفسنا.. وأصبحنا مطالبين بمواجهتها، وإلا هددت وجودنا أصلاً، وفتحت طريق الفوضى فى منطقتنا.. وأعادتنا إلى الوراء، وأثرت على مستقبل كل مواطن وإنسان عربى.
الخروج من الأزمة.. يستلزم حلولاً غير تقليدية ورؤية مختلفة من حكام المنطقة العربية، تضع فى مقدمتها مصالح الشعوب واحترام حقوق الإنسان والانتقال إلى الدولة العصرية.. ويستلزم ذلك وجود مؤسسات عربية جديدة عصرية وسيادة للقانون.. وأن نعرف بوضوح أن الدولة العصرية ليست طرقاً وشوارع وخدمات وبنايات جميلة.. أو بالتعبير الاقتصادى الجديد بنية أساسية خدمية.. ولكن بنية أساسية مختلفة.. قوامها الإنسان والتعليم الصحيح، القوانين والشفافية والعدالة فى توزيع الثروة وتحمل المسئولية ـ خاصة بعد أن ضاعت الثروة أو كادت تضيع ـ أن الدولة العربية تحتاج إلى إصلاح سياسى شامل، يضع مصالح الشعوب فى المقدمة.. ليظهر أن الخلافات الموجودة ليست من صناعة الشعوب، ولكن من صناعة أصحاب المصالح الذين أهدروا المصالح العربية الحقيقية وأدخلوا المنطقة فى صراعات بددت الطاقة والمصالح، وفتحت المجال أمام الفوضى والأعاصير.
وأن الحروب والصراعات التى عاشتها منطقتنا، كانت نتيجة سيادة الديكتاتورية وغياب المؤسسات السياسية التى من الممكن أن تفرز القرار الرشيد بدلاً من فوضى القرارات والعشوائية فى المواجهة..
لن نهرب من تحليل أوضاعنا السياسية والاقتصادية بالقوى الأجنبية التى تتحكم فى القرار العالمى والإقليمى أو بالنفوذ الصهيونى الذى أدخلنا فى صراعات وحروب وجذب المنطقة العربية إلى حافة الهاوية.. فمن الطبيعى لأىة قوة سياسية أو إرادة وطنية فى المنطقة، أن تواجه أعداء وقوى خارجية تتربص بمستقبلها وبمواردها، وأن تحاربها وتجذبها إلى مناطق الصراع وتلحق بها هزيمة تلو هزيمة.. لكن غياب القرار الوطنى والرؤية الصحيحة للمواجهة مسئوليتنا، كما أن غياب إرادة الجماعة والتعاون الإقليمى.. نحن الذين صنعناه أو وُضعنا فيه.. كأننا مسلوبو الإرادة.. وإذا كان للعنصر الخارجى وللقوة الخارجية دور دائم فى هذا التوجه.. فأين إراداتنا نحن؟ لماذا لم نواجه ذلك بخطة بديلة وبرؤية مختلفة؟ لماذا وقعنا جميعاً فريسة لما خطط لنا من ضياع الثروة والقوة، والسير فى اتجاه الصراعات، حتى وصلنا إلى مرحلة التفتت والاقتراب من الانهيار، بتركنا مقاليدنا للغير ليتحكم فيها؟ وأصبح قرارنا الوطنى مرهونا بالتأثير الخارجى بنسبة تهدد مستقبلنا وسيادتنا على أراضينا.
الموقف العربى الراهن ـ سيضع الجميع حكاما وشعوبا وسياسيين فى السلطة أوالمعارضة أمام محك تاريخى يلزمهم بتوجهات مختلفة، وعليهم أن يتعلموا مما حدث.. وإلا فالجميع سوف يسقط ولا سبيل للخروج من الأزمة.. إذا لم يتغير شكل العمل وآلياته.. ولعل أول خطوة ستكون أمام قمة مرتقبة للقادة العرب.. ليس للبحث فى الأزمات فهى صعبة وحلها يحتاج إلى سنوات وعمل طويل، ولكن لتغيير شكل ومستقبل العمل العربى المشترك.. بصراحة.. فلستم وحدكم فى العالم، وقراركم ليس نهائياً.
ولكن قدرتكم على العمل المشترك والتعاون الأقليمى بروح مختلفة قد ـ وأكرر قد ـ تغير مستقبلنا وتضعنا فى صورة أفضل ولو قليلاً عشية العام القادم، ونحن ننتظر ألفية جديدة..
دعونا نتفاءل ونأمل.. فالقطار لم يصل إلى المحطة الأخيرة بعد.

