ضربة حظ فى بغداد

مازالت الصورة محيرة، الأجهزة الاستخباراتية ترسم صورة صدام حسين الحاكم الواثق من نصره، خطاب الرئيس العراقى يتراوح ما بين الخوف من عدم تمكن الجيش العراقى من الحصول على الغذاء والماء فى أرض المعركة. وما بين أنه لا يتأثر بـ فحيح الأفاعى.
أما الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فيتململ من الموقف الراهن، ويصر على أنه لم يقرر حتى الآن غزو العراق، بالرغم من تدفق القوات الأمريكية على الخليج مستمر بكل المعدات وحاملات الطائرات، والإستراتيجيون يشيرون إلى أن الخطة الموضوعة ستصل إلى 100 ألف جندى بحلول الأول من فبراير القادم.
مفتشو الأمم المتحدة يواصلون عملهم، والأنظار تتجه إلى اليوم الموعود الذى يتصور المتابعون أنه الحلقة الأخيرة، سيكون 27 يناير الحالى، الدلائل ترجح أن المفتشين لم يجدوا أى أثر للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، أو أسلحة الدمار الشامل. فى هذا التاريخ أو بعده، المراقبون يقولون كل ذلك ما هو إلا سيناريوهات انتقالية، وموعد تقريرى هانز بليكس ومحمد البرادعى، وما سيحدث بعدهما سيرتبط بدرجة كبيرة بالأجواء التى ستنجح أمريكا فى بلورتها فى مجلس الأمن واستعدادها لإعطاء تأجيل آخر لصالح المزيد من الجهود الدبلوماسية العربية.
أما البريطانيون شركاء الأمريكيين فى إدارة الصراع فى المسألة العراقية، فما موقعهم الآن؟ تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى يواجه عصيانا وتمردا م ن داخل حزبه العمال إذا ما صادق على الحملة الأمريكية قبل أن تحصل على مباركة من مجلس الأمن، وهكذا الحلفاء الفرنسيون الذين يسارعون بمشاركته فى الحشود والوجود العسكرى فى منطقة الخليج، يعلنون عن أنهم ضد الحل العسكرى، وهكذا اليابانيون والألمان يوفرون الخدمات العسكرية والتغطية الحربية، ويقفون فى نفس الوقت فى معسكر المطالبين بالحل السياسى للأزمة، وإبعاد شبح الحرب.
ليس بلير وحده الذى يواجه أزمة سياسية فقط، بل شيراك وجيرهارد شرودر، ما جعل بوش فى موقف محرج، ويبحث عن مصداقية فى عيون العالم، وهو الأمر الذى أوجب تأخير الحرب، وهو التأخير الذى يبرره العسكريون بالحاجة إلى عمليات لوجستية، حماية للقوات والأسلحة التى تنقل برا وجوا وبحرا، غير أن هذا التأخير للحرب، لا يجيب عن السؤال المحير أو المنتظر بأنه فى الإمكان تجنب الحرب، فالسوابق فى الأزمة تقول شيئا آخر.
إن الرئيس بوش واجه فى العام الماضى الذى رحل منذ أسابيع انتقادا دوليا، وداخليا حادا فيما يتعلق بسياسته بتغيير النظام العراقى، وقام بوش بمناورات ونجح فى تحجيم العقبات والالتفاف حولها بتجميل قضيته والقيام بقوة دفع جديدة أدت إلى صدور قرار مجلس الأمن 1441، هو القرار الحازم بالتفتيش على العراق من خلال مفتشى الأمم المتحدة الأنموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو القرار الذى اعترف به صدام حسين ونفذه، بما اعتبر اعترافا عراقيا بالهزيمة فى حرب الخليج، وتسليم بإرادة المجتمع الدولى النافذة فى السياسة العراقية، وبالرغم من ذلك، فإن كل المتابعين يرون أن العراق مازال فى حاجة إلى ضربة حظ من داخل العراق، حتى تنتهى لعبة بوش دون قيام الحرب.
لأن الصورة لساحة العراق أو الخليج تكشف عن أن البنتاجون يبعث بقواته العسكرية ووحداته المقاتلة. استعدادا للمعركة التى لم تحسم، لأن الإدارة الأمريكية تمسك بالكوابح أو الفرامل التى توقف هذه القوات، ويحذر المسئولون فى الخارجية الأمريكية فى كل تصريحاتهم للصحفيين من قيامهم بافتراض أى موعد لحدوث الضربة القادمة بناء على هذه التنبؤات أو السوابق. لهذه الحشود الضخمة التى لم تحدث من قبل. والبنتاجون صاحب الحشود يقرر أن الرئيس بوش لم يقرر بعد إذا ما كان سيشن الهجوم أم لا، وذلك حتى توجد قوات كافية فى مواقعها، ومن المحتمل أن يستغرق ذلك وقتا يصل إلى تسعة أسابيع قادمة، بل إن الصقور الأمريكيين الذين يتعجلون المعركة وعلى رأسهم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ينتقد من يقول إن المعركة حتمية استنتاجا من أن الحشود العسكرية ضخمة، ويرد أنه من الواضح أن ذلك ليس حتميا، لا تكونوا مضللين..
وهذا ما نقرأه فى تصريحات القادة العسكريين والسياسيين الآخرين، الذين يقولون إنهم لا يتوقعون قرارا نهائيا يعنى السلم فهل الحرب أصبحت أمرا لا يمكن تجنبه؟.
من المؤكد طبقا لكل التصريحات أن الأمريكيين بخبرائهم وصحافتهم وعسكرييهم ويتقدمهم البيت الأبيض يصرون على أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل، سواء عثر عليها المفتشون أم لا، فإن الولايات المتحدة لن تترك صدام خارج قبضتها ما لم يبرهن على أنه لا يوجد لديه أى شىء من أسلحة الدمار الشامل، وهو أمر لا يمكن أن يحدث.
أما المواقف المتباينة الأخرى فتؤثر على قرار الحرب، الأمريكيون لديهم قلق من المصريين والسعوديين والسوريين، كما أن الأتراك والإيرانيين يتحركون ضد الحرب، ومباحثاتهم تشير إلى أنهم مازالوا يتوقعون أن صدام حسين سينفذ التزاماته الدولية، بل إن الدول الثلاث ( مصر السعودية سوريا ) تطالب بترك فسحة من الوقت للتعامل مع صدام، حتى إذا حصلت أمريكا على موافقة جديدة من مجلس الأمن بضرب العراق، الجميع يخشى من كارثة إنسانية متوقعة، إذا ما تحركت الطائرات والمدافع، وانطلقت الحشود العسكرية إلى العراق لاحتلاله أو تحريره، وهى معركة قاسية ليس للعراق وحده، خطة العمل الأمريكية، قد تتقلص انتظارا لموسم الحج بين 9 و14 فبراير، فالبيت الأبيض لا يمكن أن يطلق طائراته بالقذائف، بينما الطيران التجارى يحمل آلاف المسلمين إلى السعودية.
كما أن أزمة المفتشين مع العلماء لم تنته، بعد أن قدم العراقيون كشفا بأسماء خمسمائة عالم وخبير والأمريكيون وخبراؤهم يقولون إن الرقم غير حقيقى، فهناك على الأقل ألفان من العلماء ضالعون فى برنامج الأبحاث النووية وحدها.
كما أن الرغبة الأمريكية تفصح عن ضرورة سؤال ما لا يقل عن خمسين عالما فى الخارج، بعض العلماء يعبرون عن خشيتهم بالاتهام من حكومتهم مبالتواطؤ مع العدد وأن الرعب أصابهم إلى درجة الموت.
ولكل هذه الأسباب فإن عمليات التفتيش لن تتوقف عند تاريخ 27 يناير، ومن المحتمل أن يتحول من تاريخ نهائى إلى بداية جديدة.
الشائعات حول تجنب الحرب تأخذ مناحى عديدة، البعض يقولون خاصة من الأمريكيين.. نحن أمام مرض سرطانى لا يمكن التخلص منه إلا بالاستئصال، لأن الرئيس العراقى صدام حسين نفسه هو سلاح من أسلحة الدمار الشامل، ولا يمكن استمراره فى تحمل مسئولية اتخاذ القرار عراقيا أو إدارة النفط والثروة العراقية الخطيرة والكبيرة على المستقبل العالمى، وأن الحل هو استئصاله قبل أن ينتشر ويصبح أكثر خطرا، أما المتخوفون من الحرب، فيتصورون كل يوم سيناريوهات عديدة ومجهودات مختلفة تبذل لإقناع صدام بالرحيل.
والبعض مثلنا ومثل بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثانى يرى أن الحرب هزيمة إنسانية، وينبغى ألا يتم اللجوء إليها إلا كخيار أخير، وفى حالة كونها لابد منها، فيجب أن تتم فى ظل احترام المواثيق الدولية، ومن دون التغاضى عن النتائج التى ستفضى إليها.
والعراق أرض الأنبياء، وشعبها الذى يعانى منذ 12 عاما، من حصار خانق، لا يتحمل كارثة إنسانية تطال 24 مليون عراقى، فهل ينجح أنصار السلام الذين يتوافدون على العراق، والرأى العام الذى أصبح غير مقتنع بالحرب، أن يوقفوا الخيار العسكرى، الذى أصبح قريبا.. يارب

