سلايدر

محمد عبدالله يحاور أسامة سرايا

لهذا الحوار قصة آن الاوان لأحكيها لك. ففي يوم 24 يناير الماضي كان الاستاذ اسامة سرايا رئيس تحرير الاهرام السابق قد اجري حوارا مع وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي لنشره في الاهرام بمناسبة عيد الشرطة. في تلك الفترة كانت هناك انتقادات كثيرة توجه للاهرام (الجريدة) تتعلق بالسياسة التحريرية. وكانت مؤشرات السوق تسجل تراجعا في التوزيع لصالح صحف اخري ربما كان القارئ يراها اقرب في التعبير عن وجهة نظره من الاهرام. وكنا في بوابة الشباب الالكترونية قد نشرنا حوارا مع الزميل سيد علي هاجم خلاله سياسات رئيس تحرير الاهرام.
المهم انه عقب عودة اسامة سرايا من وزارة الداخلية بعد حواره مع الوزير. زرته في مكتبه ودار بيننا حوار ودي علي فنجان قهوة. كان سرايا سعيدا – فيما اعتقد – بحواره مع حبيب العادلي. واتذكر جيدا انه قال لي بالنص: لقد قدمت خدمات لنظام مبارك اكثر بكثير من التي قدمها محمد حسنين هيكل لنظام عبدالناصر. لم تكن هذه الجملة هي فاتح الشهية الوحيد الذي يغريني لاطلب من اسامة سرايا ان اجري معه حوارا لمجلة الشباب. فموقعه كرئيس لتحرير الاهرام وقتها من المفترض ان يجعله قريبا من دوائر صنع القرار في فترة من اصعب الفترات التي مرت بها مصر. واتفقنا علي ان نلتقي يوم السبت 29 يناير في مكتب رئيس تحرير الاهرام. وقامت ثورة (الشعب يريد اسقاط النظام) وسقط النظام وبعده بشهرين سقط اسامة سرايا باعتباره جزءا من هذا النظام.
اختفي اسامة. والتزم الصمت. حتي التقينا منذ ايام فجددت الدعوة ليكون طرفا في حوار غيرت الثورة مكانه. فبدلا من ان اجريه في مكتب رئيس تحرير الاهرام. اجريته في قاعة الندوات بمجلة الشباب. وادعوك لان تقرأ الان الجزء الاول منه علي ان نستكمله في العدد القادم بإذن الله. فقط الفت نظر حضرتك الي ان اسئلتي تحمل رأيي. اما الاجابات فيسأل عنها اسامة سرايا أمام الله والتاريخ وضميره.
– فاكر اخر يوم غادرت فيه مكتب رئيس تحرير الأهرام؟
كان يوم اربعاء في اواخر شهر مارس. كانت اصعب مرحلة في حياتي وكنت لا استطيع ان أؤدي عملي بشكل جيد ولا اعرف اكتب اي شيء وتركت معظم صلاحيات عملي الي مجلس التحرير.
– تخليت عن صلاحياتك برغبتك؟
كان قراري. لان افكاري ووجهة نظري كانت مع النظام السابق، والثورة قامت ضد هذه الافكار فكان يجب ان اعترف بها سواء كنت مقتنعا ام لا.
– انت اعترفت بالثورة؟!
اعترفت بها في يوم 28 يناير عندما خرج الملايين من الشعب المصري، وتبلورت في ذلك الوقت مطالب الناس التي يريدونها من النظام السابق.
– لو لم تخني الذاكرة فقد كانت عندك مشاكل مع الشباب الذين قاموا بالثورة؟
ليس لدي مشكلة معهم ولكن مشكلتي مع الانتهازيين ومتسلقي الثورة علي حساب الآخرين.
– العداء وصل بينك وبين شباب الثورة لدرجة انهم جاءوا امام الاهرام مطالبين بالامساك بك. هل كنت مشهورا الي هذا الحد؟
نعم انا كنت مشهورا لانه لايوجد رئيس لتحرير الاهرام لم يكن مشهورا لانني كنت ناجحا في عملي وهذا يعتبره البعض عيبا بمجتمعنا.
– ولكن آراءك كانت ضد شباب الثورة؟
الرأي لا يمكن ان يهز صاحبه الا اذا اراد بعض الناس إيجاد الشيطان وهذا ظلم كبير. بعض الافراد تريد هذا وكل هؤلاء كانوا اكثر مني التصاقا بالنظام. مكرم محمد أحمد اكتر واحد كان ملتصقا بالنظام.
– لكن انت خرجت تشتم الثوار.
انا ماشتمتش الثوار.
– خرجت ساعة حريق الحزب الوطني وقلت انه مبيتحرقش ولن يحترق واللي بيتحرق ده كشك قدام المبني؟
من يحرق مبني انا ضده. وهذا ضد الدولة المصرية.
– انت مكنتش بتتكلم عن المبني انت كنت بتتكلم عن الحزب الوطني؟
كتاب الجورنال بيحاسبوني علي الكلام ده. فيه ناس قالوا اكتر مني عشرات المرات
– كلهم اتحطوا في القائمة السوداء حتي الفنانين اللي طلعوا يشتموا الثوار.
انا ضد القوائم السوداء
– هل فعلا خرجت من الباب الخلفي للاهرام خوفا من الثوار؟
لم يحدث ولم يعتد علي احد سواء من الاهرام أومن خارج الاهرام وهذا الكلام سمعته وانا مازلت امارس حياتي بشكل طبيعي وانزل من بيتي واذهب الي اي مكان والقي ترحاب الناس بمودة وحب ولم اشعر بعداء الناس.
– ايه المستندات اللي حاولت تهريبها من مكتبك؟
ليست لدي مستندات ولكن لدي صور تخصني وبراويز شخصية في المكتب فأردت ان تكون في بيتي ليس اكثر وكانت كلها اوراقا شخصية.
– بما انك من رموز العهد الماضي.
انا لست رمزا. وكل من اشتغل بالصحافة والاعلام في الــ 25عاما الماضية ساهم فيما وصلنا اليه ولكن محاولة الفهم الضعيف تهدف الي تحميل البعض مسئولية الماضي كله.
– مداخلاتك التليفونية ببعض القنوات الفضائية اثناء الثورة دمرت اسهمك عند الناس؟
وقتها كنت اتصور ان هذه المظاهرات هي امتداد للاحتجاجات الفئوية التي حدثت من قبل والرؤية بدأت تتضح لي بعد يوم 28 يناير ودعني اقل اني احترم في الرئيس مبارك انه لم يهرب خارج البلاد مثلما فعل بن علي بل ظل متواجدا بمصر ويخضع لبعض المحاكمات هو واسرته، وابنه كان خارج مصر واعاده الي البلاد ويمتثل امتثالا كاملا للمحاكمات مع كل تاريخه الطويل السياسي والعسكري وهذا يعفو بعض الشي عن الرئيس مبارك.
– انت زعلان علي الرئيس السابق؟
بالطبع زعلان عليه واتمني ان يرأف به الاخرون في هذه اللحظة.
– ألم تحاول ان تطمئن عليه بأي شكل؟
لي صدقات من المحيطين به احاول الاطمئنان عليه من خلالهم.
– طمنا معاك؟
يمر بحالة صحية غير جيدة وحالته النفسية غير مستقرة وكثرة فترات الغيبوبة وعدم القدرة علي التركيز بشكل سليم ومتواصل والمرض انتشر بشكل كبير بجسمه.
– إدارته للأزمة من يوم 25 يناير حتي تنحي كيف تراها؟
لم يكن فيها ادارة بل كانت فاشلة الخطأ الكبير الذي وقع فيه الرئيس انه لم يكن لديه مستشار سياسي يساعده في ادارة الازمات بل كان الامر متروكا لموظف كبير في مؤسسة الرئاسة اسمه زكريا عزمي ولابنه جمال مبارك.
– وهل كانت إدارتك للازمة بالأهرام فاشلة ام ناجحة؟
الي حد ما حافظت علي الاَّ يحدث في الأهرام انهيار بدرجة كبيرة.
– يوم 24 يناير اجريت حوارا مع حبيب العادلي وزير الداخلية السابق وكنت سعيدا به. كيف كنت تراه؟
كنت اراه قويا وقبلها بيومين شاهدته في احتفال عيد الشرطة وكان يتكلم بقوة امام الرئيس السابق وامام الناس، وكشف عن ملابسات حادث كنيسة القديسين بالاسكندرية وكنت اشعر بان لديه من الوعي ما يجعله يتعامل مع المظاهرات والاحتجاجات بذكاء وحكمة.
– أستاذ أسامة. هل منصب رئيس تحرير الأهرام مهم؟
طبعا مهم وصعب خاصة منذ ان تولي الأستاذ هيكل منصب رئيس تحرير الأهرام.
– بما انه منصب مهم ما هي مؤهلات اسامة سرايا حتي يتم اختياره كرئيس تحرير الأهرام؟
كان اختيار رئيس التحرير من خلال رئيس الجمهورية. لكن انا تم اختياري وفقا لما يعرف بالمتوسط الحسابي الذي يقبل القسمة علي كثير من القطاعات، والمرحلة التي تم اختياري فيها كرئيس تحرير كانت اصعب مرحلة فلابد من موافقة جميع القطاعات الرقابية ومؤسسات أخري سيادية ثم تعرض الاسماء علي رئيس الجمهورية ليختار رئيس تحرير الأهرام.
– أفهم من كلامك ان علاقتك كانت قوية بالرئيس السابق؟
رئيس التحرير لابد ان يكون علي علاقة وثيقة برئيس الجمهورية ودعني اقل لك ان بمكتب رئيس تحرير الاهرام يوجد تليفونان منهما تليفون لا يوجد الاعند 20 شخصا من الدائرة الخاصة برئاسة الجمهورية 3 أشخاص من خارج هذه الدائرة هم رئيس تحرير الاهرام والسفير الامريكي وامين عام جامعة الدول العربية، ووقت ان تقلدت منصب رئيس تحرير الاهرام كان ذلك التليفون مرفوعا من الخدمة بأمر رئاسة الجمهورية وفي اول لقاء مع الرئيس مبارك قلت له ان ذلك الخط مقطوع فتوقف ونادي علي زكريا عزمي وامره بان يعاد تشغيل التليفون مرة اخري وبعدها اتصل بي من خلال ذلك التليفون للاطمئنان علي رجوع الامور الي وضعها الصحيح وقلت له ياافندم كل الامور تمام واتمني ان تظل الامور والعلاقة بينك وبين الاهرام قوية ومستمرة.
– لكن مرسي عطا الله سحب هذا الخط من مكتبك عندما اصبح رئيسا لمجلس ادارة الاهرام. فاكر؟
هذا تصرف محدود وهو تصور ان التليفون ده ميزة. وهو رتب الحكاية دي مع عامل السويتش.
– وانت لم تحاول أن تعيد هذا التليفون مرة أخري؟
أنا سألت فقالوا لي ستكون فترة بسيطة لانه مش قاعد بس هذه امور صغيرة ومش مستاهلة.
– هل استخدمت هذا التليفون ايام ثورة يناير؟
كل التليفونات في ذلك الحين كانت مقطوعة بيننا وبين الرئاسة.
– يوم 24 يناير قلت لي: انا قدمت خدمات كثيرة للنظام السابق اكثر مما قدم هيكل لجمال عبدالناصر. عملت ايه للنظام السابق؟
حاولت ان ارشد النظام، واعطي عمقا للابعاد السياسة للنظام حتي يستطيع ان يخرج من مأزق عدم وجود عقول سياسية في الفترة الاخيرة لان كل هذه العقول والافكار خرجت من الدائرة السياسية مثل اسامة الباز وغيره، لان كل العقول السياسية التي كانت موجودة لم تكن تراجع النظام في ذلك الحين، وانا كنت احاول أن اراجع النظام وانتقده في مقالاتي وفي مقابل ذلك كنت أجامل النظام في بعض الاوقات وكنت اريد ان احافظ عليه، وكنت اريده ان ينجو بنفسه من الاخطاء الكثيرة التي ترتكب في حقه.
– أخطاء ايه؟
فكرة التوريث. لاني مدرك ان الشعب والجيش يكرهان هذه الفكرة وان هذا سوف يوجد نقمة شعبية علي الرئيس، كنت الح علي ذلك في مقالاتي وأسال الرئيس واقول ان مصر لا تريد فكرة التوريث وبعض المصادر اسألها بشكل مباشر عن هذه الفكرة واحصل علي اجابات ليست هي الحقيقة لان الشكل العام للمسرح السياسي كان يهيأ لذلك ولم تكن هناك شفافية، فالرئيس كبرت سنه ولم يكن هناك وضوح رؤية في خلافة النظام وكان هذا خطأ كبيرا لمبارك، والخطأ الثاني انه لم يدرك انه استمر 30 سنة بالرئاسة وكبرت سنه فكان في النهاية لابد من شخص آخر غيره، لان كل المحيطين به كانوا يقولون له انك دخلت التاريخ بمدة رئاستك وكان يرد قائلا: لا اريد التاريخ ولا الجغرافيا ولكن كانت عينه علي التاريخ جدا.
– تفتكر التاريخ حايقول ايه عن حسني مبارك؟
التاريخ سوف يكرم مبارك ولن يظلمه مثلما نظلمه نحن الان، لان الاخطاء يتحملها الكثيرون في النظام السياسي وليس مبارك وحده، فالتاريخ لن يقسو عليه مثلما يحدث الان.
– شجاعة كبيرة منك ان تقول هذا الكلام. لكن امتي الزمان ينصف مبارك؟
لست ادري ولا استطيع ان اجزم في هذا ولكن الناس سوف تكتشف ان حسني مبارك اخطأ ولكن لم يرتكب جرائم سياسية في حق الشعب المصري ولم يخن شعبه.
– حتي عندما تقرأ عن جرائم نهب الاموال ودوره فيها وصفقات الغاز لحسين سالم. الا تعتبر كل هذه جرائم بحق الشعب؟
قضية الغاز قضية شائكة جدا وصعبة وتناولها الإعلام المصري بتقصير شديد وبها معلومات خفية لابد من شرحها قد يكون حسين سالم اجرم بذلك وقد يكون تمت مجاملته. ربما تكون هناك جريمة خاصة بحسين سالم لكن تهمة الخيانة تحتاج الي دليل.
– وقتل الثوار؟
انا اشعر بخوف شديد لان إلمحاكمات تقع تحت ضغط الرأي العام وهذا خطأ كبير. لكن لابد من محاسبة من يقوم بذلك ويدفع ثمن هذه الجرائم من ارتكبها.
– إذن انت تري أن المحاكمات تتأثر بضغوط الرأي العام؟
ليس لدي معلومات كافية ولا استطيع ان اجزم في ذلك لأنني لست محققا ولا انظر في الاوراق وعلي كل فرد ينظر في الاوراق ان يعرف ان الزمن دوار وفي لحظات كثيرة حسني مبارك كان قويا واصبح الان ضعيفا والسادات كان قويا وضعف ايضا ونحن الان في زمن الحريات فاذا ارتكب احد هذه الجريمة سوف يحاسب عليها واذا اتضح ان هناك من يجامل الرأي العام فالتاريخ لن يتركه.
– من منهم تظنه بريئا؟
انا علي يقين ان رشيد محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق من اروع وزراء الصناعة في تاريخ مصر لانه عمل 1800 مصنع ولولا وجود هذه المصانع لحدث انهيار اقتصادي حقيقي. ولكن توزيع الثروة كان “غلط” هذه قضية اخري. ويجب ان يكون هناك مايسمي بوحدة التاريخ وتعمل علي تصحيح الاخطاء لانه لايوجد انسان بلا اخطاء في السياسة ولابد من المحافظة علي بلدنا ونقول ما لنا وما علينا سواء صحيحا ام خاطئا قد اكون انا مخطئا ولكن معلوماتي كمحرر اقتصادي تشير الي هذا الكلام. ممكن يحدث تجاوز في بعض الامور لكن علينا ان نحكم بالمستندات والاوراق.
– طيب في رايك. كيف نتعامل مع من كانوا رموزا للنظام السابق؟
من ارتكب منهم جرائم لابد من محاسبته امام القضاء وبالقانون.
– وسيادتك شايف انك لم ترتكب اي جريمة ولم تضلل الراي العام من خلال عملك؟
لم اساهم بتضليل الرأي العام باي شكل من الاشكال ولو كان الرأي العام مضللا لما قامت ثورة يناير.
– طيب والناس اللي كانوا بيقفوا يشتموا في الاهرام وفي رئيس تحرير الاهرام. ليه في رأيك؟
الناس لم تشتم في الاهرام لكنهم اعتبروا الجريدة من ضمن النظام السابق وكانوا يعبرون عن رأيهم ومن حقهم ان ينتقدوا ولكن هذا لم يكن تضليلا للرأي العام التضليل عندما تغيب المعلومة، والمعلومة لم تكن غائبة عن احد في اي شيء، وعندما نتحدث عن ذلك نتساءل: لماذا اجهزة الامن لم تفصح عن جرائم المال العام ولم تظهرها إلاّ الآن هذا هو التضليل.
– إيه اصعب ثمن دفعته بعد الثورة؟
ترك المنصب ليس هو الثمن لان هذا شيء طبيعي، لكن منعي من الكتابة هو الاصعب وكان لابد جورنالي يحترمني ويحافظ علي مكانتي وهذا أعتبره ثمنا كبيرا جدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى