دافوس في شرم الشيخ

المكان:
قاعة الكونجرس الجديدة التي بهرت العالم وظهرت للوجود في أقل من ثمانية أشهر،لتصبح درة مضيئة تتلألأ في شرم الشيخ، المدينة التي أصبحت مرادفا للسلام والروعة والجمال ..فكل قطعة فيها وكل شارع يمثل تجسيداًحياً لمعاني العمل الجاد والتكامل في الرؤ ية ..تلك المدينة الصحراوية الساحلية علي ساحل البحر الأحمر التي تحولت من خلال تخطيط ذكي ومستقبلي الرؤيةإلي مدينة خضراء تستحوذ علي 80٪ من الس ياحة في مصر، بحيث أصبحت في عرف الكثير من السائحين تحمل لقب “لاسفيجاس “مصر.
علي خليج نعمة، تم إنشاء تلك القاعة الجديدة الضخمة التي يبدو أنها ستتحول قريبا إلي منافس قوي وخطير لخليج نعمة في حد ذاته ولنصبح أكثر تحديدا ستتحول إلي منافس لروح الهدوء والاستجمام التي يجدها السائحون علي طول الخليج لتجذب هؤلاء ـ أو غيرهم ـ لدخول دورات من النقاش والحوار الجاد حول مستقبل البشرية ..إنها متعة من نوع آخر، متعة البحث عن حلول للمشاكل التي يواجهها الإنسان علي الأرض، متعة التفكير والحوار للوصول إلي نتائج.
عندما تتجول في خليج نعمة، تقابلك وجوه من شتي أنحاء العالم لتمثل مشهد تجمع إنساني رائع، سرعان من يتحول إلي صورة ذهنية عميقة تعلق في الأذهان وتمكث بها وربما يكون هذا المشهد العالمي هو الذي دفع منظمي منتدي دافوس للتوجه إلي شرم الشيخ لإقامة حوار همه التوصل إلي حلول تخص تلك الفسيفساء البشرية الفريدة.
الزمان:
أيام 20 و21 و22 مايو2006
الحدث:
التقاء أكثر من 1500 شخصية عالمية في الاقتصاد والسياسة، معظمهم يجتمعون بشكل دوريمنذ عام1971 علي قمة جبال الألب في مدينة سويسرية صغيرة تدعي دافوس تحت لافتة المنتدي الاقتصادي، ليتحول هذا المنتدي إلي ظاهرة عالمية تثير الكثير من الضجة كلما انعقد، فأعضاؤه هم من صناع القرارات الاقتصادية حول العالم، ويمثل معظمهمشركات عالمية كبري أصبح لقراراتها تأثير علي السياسة الدولية في كل العواصم العالمية.
ولأن ميزانيات واستثمارات الشركات بالمليارات فهي أكثر تأثيرا في العالم اليوم من الحكومات، “فقرارات الشركات تخلق الوظائف وتنعش الاقتصاد…وتؤثر في حياة الجميع البسطاء منهم و الأثرياء.
لقد تحول منتدي دافوس السويسري إلي حالة صارخة من المتناقضات حيث يجمع الأغنياء والفقراء، عمال الشمال الغني وأصحاب العمل في الجنوب الفقير، أنصار العولمة وأعداءها ..أصحاب الياقات البيضاء والمقام الرفيع والأيدي الناعمة يصافحون أصحاب الأيدي الخشنة المنهكين والمنتظرين لغد أفضل لأبنائهم.
هذا التناقض الصارخدفع أعضاء المنتدي للمطالبة بالتخلي عن ربطات العنق وارتداء الملابس الكاجوال البسيطة بدلا منها علهم يبدون أقرب إلي البسطاء وأقدر علي فهم مشاكلهم وإذابة الجليد بين المتطلعين إليهم والخائفين منهم ..
المنتدي هو تمثيل حي لشكل التعايش بين السياسة والاقتصاد في عالمنا المعاصر ..حيث يجتمع رؤساء الشركات والسياسة والنجوم في عالم اليوم في القاعات الفخمة والمجهزة وخارج القاعات يتظاهر العاملون وأبناء الطبقات الوسطي في طرقات الشوارع المحيطة بالقاعات الفخمة، والجميع خائف من نتائج اقتصاد العولمة الذي يزحف علي امتيازاتهم وحقوقهم ويلاحقهم شاءوا أم أبوا بالتطورات العالمية ليتحولوا إلي مجرد تابعين وغير مؤثرين .
ولكن علي أية حال تلك هي الملامح العامة التي أحاطت عادة بتجمع دافوس في بلاده و لكن في شرم الشيخ ..في قلب سيناء مصر كانت طبيعة مصر كعادتها منذ فجر التاريخ قد دفعت المجتمعين للتحدث بلغة جديدة ودمجتهم في نظامها وأثرت فيهم بقدر ما تأثرت بهم ليتحول هذا التجمع والذي يعقد في المنطقة للمرة الرابعة، إلي حالة نشطة من النقاش البناء الذي يضم مشاركة منجميع الشعوب لوضع ملامح للمستقبل و جعل العولمة أكثر إنسانية.
كان لا بد أن تكون مصر المكان الذي يختاره منظمو المنتدي لعقده من جديد، وهو المعني بدراسةحال منطقة الشرق الأوسط فمصر هي قلب المنطقةالنابض وكما قال الرئيس في كلمته الافتتاحية للمنتدي :” إن هذه الآمال وتلك الثقة في المستقبل ..لا تنطلق من فراغ فلقد واجهت مصر والمنطقة من قبل عواصف عاتية وتحديات صعبة وكان السلام يوما أملا بعيد المنال إلي أن فتحت مصر الطريق إليه«
تلك المنطقة التي أصبح قدرها أن تكونبؤرة الاضطرابات والمشاكل العالمية ..فعلي أرضها أزمة قديمة موروثة من الحرب العالمية الثانية خلقت صراعا بين العرب وبين الإسرائيليين لم يجد بعد طريقه إلي الحل، و مازالت المخاوف والصراعات تكتنف شعوب المنطقة وتهيمن علي الشعبين المتصارعين أنفسهم فالفلسطينيون مازالوا بلا حل وبلا دولة وبلا مستقبل، وبالرغم من أن السلام والتفاوض أصبحا لغة وسياسة متداولة لهذا الصراع فإنها لم تصل بعد إلي وجدان المتصارعين وهم الآن علي مفترق الطرق إما التوصل إلي حلول سلمية أو استمرار صراع دام بلا نهاية .
وقد طلت حكومتان جديدتان واحدة في فلسطين والأخري في إسرائيل، إحداهما دينية وتري الحل في الانتحار والمقاومة وحكومة في إسرائيل لم تختبر بعد، ولكن ربما كان في الإمكان تعليق بعض الأمل عليها فقد وصل لأول مرة منذ سنوات لحكومة إسرائيل شخصية سياسية و ليس جنرالاً من الجيش واختفي من حكومة إسرائيل ..أكثر شخصياتها جدلا و عنفا عبر التاريخ ارييل شارون الذي ما زال طريح الفراش، وإن كان لم ينتقل بعد إلي ذمة الله و لكنه انتقل بالفعل إلي ذمة التاريخ .
“هل يمكن أن تنجو فلسطين في ظل الأوضاع الجديدة “؟
لا أحد يستطيع أن يتكهن ولكن في شرم الشيخ التقي الطرفان ـ الإسرائيلي والفلسطيني ـ معا وسط مشاعر الخوف والصراع والتوجس والأمل
وفرضت مدينة السلام روحهاعلي نقاشات أطراف الحوار وإن كنا لا نعرف بعد النتيجة التي سوف تظل في علم الغيب..كل المجالات مفتوحة والرؤي غير غائبة ..ولكن لم يعد الشرق الأوسط منطقة الأزمة الواحدة كما عاش طويلا و لكنه أصبح مرشحاً للمزيد من الأزمات والكوارث المستعصية فمنذ أكثر من ثلاث سنوات سقط العراق فريسة للاحتلال وأصبح مضيفا مخيفا للإرهاب والتوحش بكل ما يثيره هذا الوضع من مخاوف ويثير في القلوبالفزع من المستقبل والخوف علي شعب العراق في الوقت الذي يري فيه من صنعوا كارثة العراق شيئا آخر لا نراه ويدافعون عن ديمقراطية محملة برائحة الموت والفتنة …سقطت الدولة واتسعت مهيئة الجميع للفوضي التي نراها كارثة وتراها أمريكا خلاقة.تلك صورة العراق الإقليمية والعالمية والآن في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة أزمة أخري مازالت تراوح مكانها إنها أزمة السلاح النووي الإيراني، فهل ستحل سلميا أم ستحل علي شاكلة النموذج العراقي الذي يفتح أمام منطقتنا أبواب جهنم و سيناريو كارثياً.
في تلك الظروف الصعبة عقد منتدي دافوس في شرم الشيخ وحضره صناع القرار الذين يتحكمون في الأموال، أنصتوا لحكمة مصر رؤيتها في حل تلك المتاهة و جاءت كلمة الرئيس مبارك لتنقل للعالم رسالة حكيمةوصوتا حيا للضمير حيث قال: “إن هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم ..تتوق للسلام والاستقرار والتنمية … برغم ما يموج به الشرق الأوسط من بؤر للتوتر، فإن آفاق المستقبل وآماله تبدو رحبة وواعدة، نعم هناك العديد من التحديات، لكننا في مصر واثقون أنها لا تستعصي علي الحل وأن المنطقة قادرة علي المضي قدما في الطريق الصحيح “.

