حول اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب فى تونس

لأننى أعتبر أن الأمن هو أغلى شىء على الإطلاق، فإننى أثمن غالياً، قدرة النظام العربى، رغم ضعفه أو هشاشه دوره، على استثناء وزراء الداخلية والأمن العرب من منظومة هذا الضعف وقدرتهم على الاجتماع سنوياً فى مقرهم فى العاصمة تونس . وقد حضرت يومى الثلاثاء والأربعاء الرابع والخامس من يناير الجارى اجتماعات الدورة الثانية والعشرين واضعا يدى على قلبى مترقباً حادثاً مؤسفاً، قد يجعل هذه المنظومة تنضم إلى شقيقاتها الأخرىات، وتعانى الضعف والترهل أو ربما الفشل، فالخلاف السعودى الليبى الحالى كان ينذر الجميع بتطور ما، فالبلدان مؤثران على هذا الصعيد، ولأن الوزير السعودى الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، والرئيس الفخرى لمجلس وزراء الداخلية العرب كان حاضراً، والوزير الليبى نصر المبروك هو رئيس الدورة المنتهية فإن كلمتيهما كانتا موضع الاهتمام وترقب إعلان الخلاف بين البلدين على الملأ، لكن الأمر مر بسلام . ذلك لأن الوزير المصرى الهادىء حبيب العادلى كان ولحسن الحظ هو رئيس الدورة الجديدة فلعب دوراً مهما فى إنقاذها من اتساع هذا الخلاف الصعب، فكانت هناك ترتيبات سبقت الجلسة الافتتاحية لمعالجة هذا الخلاف، والحفاظ على القواسم المشتركة بين الجميع وقد كان وتم افتتاح الدورة فاستمعنا إلى كلمة الرئيس زين العابدين بن على رئيس الدولة المضيفة، وألقاها نيابة عنه وزير الداخلية رفيق بالحاج، ثم كلمة الرئيس الفخرى لمجلس وزراء الداخلية العرب الأمير نايف، ثم دعا رئيس الدورة الحالية وزير داخلية ليبيا لإلقاء كلمته، وهنا خرج الوزير السعودى، حتى انتهى الوزير الليبى من خطابه، ثم عاد بعد ذلك مع كلمة مصر رئيس الدورة الحالية . وهكذا شهدنا حلا عربيا وسطا وجاء موفقا لأن الوزيرين لم يتناولا قصة الخلاف والاتهامات المتبادلة بينهما، حيث تتهم السعودية ليبيا بالتخطيط لقتل الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولى العهد السعودى . وبعد تجاوز هذا الخلاف عاد جميع الوزراء إلى الحديث الموضوعى، فكل منهم كان يبحث عن هدفه . ولأن قضية الأمن صارت خطيرة ولها انعكاسات على حياة الجميع، فقد حرصوا على استمرار مسيرتهم دون السماح بتوسيع الشروخ أو الضعف فالزمن العربى الحالى بات صعبا، والأمن فيه غالياً ومؤثراً، ويُراد لنا جميعا أن نفقده، ونترك المنطقة نهباً للصراعات، كما نرى الآن فى فلسطين والعراق، ولهذه الأسباب وغيرها فإننا نعتبر أن التئام هذا المؤتمر ونجاح انعقاده فى وسط هذه الظروف عمل يستحق التقدير والإشادة . فالمنطقة بها كثير من المحللين الإستراتيجيين يتصورون أو يقدرون أن عام 2005 الجارى هو عام الفزع وهناك تأثيرات وأحداث تشير إلى ذلك . لكن دعنا نأمل خيراً، فهناك الانتخابات الرئاسية فى فلسطين فى التاسع من يناير، وهناك انتخابات أخرى فى الثلاثين من الشهر نفسه فى العراق، وهما ضرورة فى البلدين، رغم محاولات التأجيل فى العراق، ونعتقد على هذا الجانب أن تأجيل إجرائها ضرورى فى اللحظة الراهنة حتى تتاح الفرصة لمشاركة جميع أبناء وأحزاب العراق، خاصة مشاركة السّنة الذين يتعرضون للتهميش، وتشهد مناطقهم الجغرافية وضعاً أمنياً صعباً ومستعصياً وفيها تشتد عمليات المقاومة، وتختلط مع عمليات الإرهاب فإبعادهم عن الانتخابات قد يلقى ظلالاً من الشك حول ولائهم للنظام الجديد فى المستقبل . كما أن هذا التأجيل سوف يساعد على إشراك الجميع فى العملية الانتخابية بفاعلية، بما يعنى أن يكون لها تأثير حول مستقبل العراق، ونمو الحياة السياسية فيه، وتخلصه من الاحتلال . ووزراء الداخلية العرب، يتحملون مسئوليات جسيمة فى هذه المرحلة الراهنة، فالعمليات الإرهابية تزداد والمخاوف من تأثيرات الحرب على العراق واحتلاله، وظهور جماعات متطرفة من كل لون وجنس، واحتمالات انتقالها ليس إلى منطقة الخليج وحدها، بل إلى المنطقة العربية كلها مخاوف حقيقية وليست بسيطة أو عابرة . وبالرغم من التأثيرات الضارة للحرب على الإرهاب، فقد لوحظ اهتمام مجلس وزراء الداخلية العرب بقضية الفساد والارتباطات بين الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وضعف المؤسسات الأمنية . وجاءت معظم التوصيات للعمل على ضرورة تفعيل المؤسسات الأمنية لتلعب دورها، مع التنسيق بينها، لتزداد الكفاءة والقدرة والعمل المنظم . ولعلنا هنا نركز على اهتمام وزراء الداخلية بتدريب أفراد كل من الشرطة العراقية، والفلسطينية لتلعب الأولى دوراً مهماً فى استقرار العراق، أما الثانية فتقع على عاتقها أهمية كبرى هى قيام الدولة الفلسطينية واستقرارها . عندما تستمع إلى وزراء الداخلية العرب، تستطيع أن تحدد أجندة كل دولة ورؤيتها المستقبلية، فالعراقيون متخوفون من وسائل الإعلام والفضائيات، التى تندد بالاحتلال وتنسى عمليات الإرهاب، وتخلط التهم والفلسطينيون يركزون على دعم ثورتهم وانتفاضاتهم وحماية المقاومة من الاتهام بالإرهاب والتطرف، واللبنانيون والسوريون يتحفظون على قرار مجلس الأمن 1955 الذى جاء بعيدا عن مطالبهم الأمنية ويريدون إتاحة الفرصة كاملة للبنانيين لتقرير مصيرهم واستمرار مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلى حتى تحرير مزارع شبعا . والسعوديون يؤكدون على الأمن العام، على اعتبار أن الأحساس به ضرورى، ولأنهم به سوف سيتأصلون الإرهابيين والكويتيون وباقى الخليجيين، قلوبهم مع السعودية، ويتخوفون مما يحدث فى العراق ويتطلعون لاستقلال فلسطين . وللحقيقة فإن مصر دائما هى رمانة الميزان وقلب الحكمة العربية وكان وزيرها حبيب العادلى حاضراً، عندما أكد على استعداد مصر ودورها فى تدريب الشرطة الفلسطينية والعراقية، وفى مكافحة الإرهاب والفساد، وتدعيم المؤسسات والعمل العربى المشترك .

