جنون الحرب

خيط رفيع قد يفصل أحيانا بين الجد و الهزل، ويبدو أن هذا الخيط كان هو الفاصل الوحيد بين مزحة ألقاها الرئيس الأمريكي جورج بوش حول نيته ضرب محطة الجزيرة في قطر و بين هيمنة غرائز القتل و التدمير أخيراً علي واشنطن.
أكثر ما لفت نظري حول المذكرة السرية التي كشفت عنها صحيفة ديلي ميرور منذ أيام عن تلك المزحة التي ألقاها بوش في إطار حديث بينه و بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كان حمي القتل التي انتابت الرجلين فلم يعد هناك أي حدث يقع حولهما دون أن يفكرا في حله بالقتل و القصف العسكري.
وكانت الصحيفة التي عرفت بمعارضتها القوية للحرب علي العراق قد كشفت منذ أيام عن مذكرة سرية من بين مذكرات 10شارع داونينج مقر رئيس الوزراء البريطاني تكشف فيها عن تفكير بوش في وضع خطة لقصف محطة الجزيرة في قطر، وهي الفكرة التي عبر عنها في اجتماع بينه و بين بلير الذي عارضالفكرة خوفا من رد الفعل العنيف الذي قد تولده علي المستوي العالمي.
وعندما نقلت الميرور الخبر أسرع البيت الأبيض إلي التعليق بأن الأمر كان مجرد مزاح من الرئيس لأمريكي فكيف أصبح قتل الأبرياء أو حتي إلقاء النكات حول قتلهم أمرا يمكن أن يهيمن علي حوارات أهم رجل في العالم؟ وكيف أن الحل الوحيد أمام البيت الأبيض للتملص من نية الرئيس الأمريكي كان بالقول إنه كان ببساطة يمزح؟
لقد كان عذرا أقبح من ذنب .
ويبدو لي أن قدراً كبيراً من العجرفة و الحماقة هي التي أصبحت تحرك أفكار ونيات واشنطن فعندما يتصور مهندس الحرب علي العراق أن حل جميع المشاكل يكمن في قتل الأبرياء يحق لنا أن نفزع وأن نتساءلعما إذا كانت الدعابات و روح الفكاهة من العيار الثقيل التي تسيطر علي البيت الأبيض يمكن في لحظة واحدة أن تتحول إلي جد وتخطيط حربي و ضربة عسكرية مفاجئة تقتل الأبرياء دون سابق إنذار؟
فلا شك أن مثل هذا التوجه كان ببساطة من شأنه أن يؤدي إلي مقتل عدد لا حصر له من المدنيين الأبرياء حيث إن مقر المحطة يقع في قلب الحي التجاري في الدوحة و مع هذا فإن بوش عبر عن رغبته تلك، وهذا ما كشفت عنه المذكرة التي جاءت في خمس صفحات تجاه بلد تعتبر الحليف الأساسي له في الخليج.
إن روح الدعابة الدموية التي سيطرت علي حوار جانبي بين أكبر مهندسي الحرب في 16 إبريل العام الماضي تجعلنا نصل إلي تفهم عميق للتوجه الفكري و الأخلاقي للرجلين فقد أكدت مصادر حضرت اللقاء أن كلاً من بوش و بلير كانا جادين في تناول القضية التي كانت قد أثارت حنقهما لاسيما أن تغطية محطة الجزيرة للحرب علي العراق جاءت من قلب الأحداث خاصة عندما عرضت صور الجنود القتلي لقوات الحلفاء والضحايا العراقيين و لم تكن هناك فرصة كي تنكر وسائل الإعلام الأمريكية أو البريطانية حقيقة ما دار و ما يدور في الأراضي العراقية،وهي التي كانت قد أسرعت باتهام العشرات من العاملين في المحطة بأنهم من الإسلاميين المتطرفين متجاهلة حقيقة أنهم في الواقع مجموعة محترفة و محترمة من الصحفيين والإعلاميين والتقنيين الذين حاولوا فقط قول الحقيقة .
والآن تفسر لنا تلك المذكرة السرية حقيقة الادعاءات الأمريكية بأن الهجمات السابقة علي المحطة كانت أخطاء عسكرية مثل قصف مكتب المحطة في كابول عام 2001وقتل مراسل المحطة طارق أيوب عام2003خلال هجمة عسكرية علي المحطة في قلب بغداد.
وفي النهاية إذا كانت نية الرئيس الأمريكي تجاه الجزيرة مجرد دعابة كما يصر البيت الأبيض، فإننا بلا شك نواجه كارثة حقيقية و لا يسعنا سوي أن نأمل أن تكون دعاوي واشنطن للإصلاح السياسي وفرضا لديموقراطية وإصلاح المؤسسات في العالم العربي ليست دعابة أمريكية و إلا فلا أحد يعرف علي من ستطلق النكتة القادمة؟

