ثقافة الإسلام

أعتقد أنه لا يوجد خلاف كبير حول حاجة مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلي ثورة ثقافية، ونظرة واقعية إلي ما تعانيه هذه المجتمعات من إشكاليات، وما تواجهه من تحديات، تأتيها تارة من قلب المجتمع نفسه، و تطرف بعض أفراده، وتارة أخري من تيارات فكرية، واتجاهات قيمية خارجية، لا يمكن أن تتسق مع واقعنا وجذورنا الثقافية والاجتماعية، ويطرحها الغربيون باعتبارها الحل الوحيد لمشاكل العالم الإسلامي الذي لم يعد في نظرهم سوي إفراز يومي للعنف.
وفي الوقت الذي أصبح فيه الإسلام كفكر وفلسفة وثقافة عرضة لشتي أشكال الهجوم والتأويل، وأصبح في وعي الغرب أهم مصادر الاضطراب، وتهديد المدنيين والمنبت الأصلي للإرهاب خاصة في العقدين الآخرين مع انتشار ممارسات العنف باسم الدين وشيوع ثقافة الهجمات الانتحارية، وربطها بفكر الجهاد في الإسلام، فإننا بكل أسف قد تعرضنا لكثير من الإجحاف، خاصة في فهم الآخر للمصطلحات الأساسية في الفكر الإسلامي، ووسط هذا الجدل يأتينا الدكتور وجدي زيد أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة ليقدم لنا جهدا خالصا في معجم المصطلحات الإسلامية، وفي اعتقادي أنه لم يسبقهه إليه أحد من المفكرين العرب في هذا المجال، فقد منح المصطلح الإسلامي معناه الإنجليزي الصحيح بعيدا عن جميع أنواع الترجمات الغربية التي تعتمد في معظمها علي فهم خاطيء لطبيعة المصطلح، وأحيانا تتعمد واضح التلاعب بجوهر المعني، بحيث أصبح عديد من المصطلحات الجوهرية في العقيدة الإسلامية بدائل ملغومة تجافي جوهر المعني وحقيقته، حتي أصبح الإسلام وفق وسائل الإعلام والدراسات الغربية هو مجرد اختصار لمعني واحد لا بديل له إلا وهو »الإرهاب«.
وسط هذه الفوضي الثقافية بتنا في حاجة ملحة إلي مرجع و معجم بهذا الجهد مبني علي الموضوع كحال كثير من المعاجم الأجنبية الحديثة، ومتخصص في تحديد وشرح مفاهيم الحضارة الإسلامية، ومظاهرها، لنواكب الدعوة إلي تجديد الفكر الإسلامي، ونستخدم أسلوبا حديثا لتقديم حضارة الإسلام إلي غير المسلمين أو غير الناطقين بالعربية.
الكتاب يعرف معاني هي قلب الدين الإسلامي، ولكنها وفق تلك الفوضي الثقافية العارمة تاهت عن أذهان الجميع بل أنها تاهت أحيانا عن أذهاننا نحن المسلمين فهو يعرف لنا معني الجهاد، وغاياته في الإسلام، وأيضا الأخلاقيات التي يتحلي بها المجاهد فيكتب أن الجهاد هو السعي فيما يتفق وإرادة الله وبهذا يطلق يعيد في هذه الترجمة للمصطلح المثير للجدل في العالم الآن إلي معانيه الأولي الأصيلة والمتفق عليها في الفكر الإسلامي، ويوضح أنه تشريع لحفظ بلاد المسلمين من أعدائهم ونشر دعوة الحق بالحسني، واتباع الطرق السلمية في تقديم الدعوة و التسامح مع أهل البلاد المفتوحة وعدم قتل النساء والأطفال، وهي حقائق نري أنها غابت تماما عن أذهان من أصبحوا يطلقون اليوم علي أنفسهم لقب المجاهدين، ومن يطلق عليهم الغرب بشكل مطلق الإرهابيين، ويؤكد صاحب هذا الجهد الذي استمر علي مدار سبع سنوات أنه وقع تلاعب في الحقائق التاريخية للحضارة الإسلامية حيث نُشرت أكذوبة أن الإسلام نشر بحد السيف في حين أن التاريخ يؤكد لنا أنه إنما انتشر بالمنطق والعقل ومنطق التفاهم والحوار مع الآخر، وجميعها معان تختلف عن الوجه القبيح الذي التصق بحقيقة الفكر الإسلامي الإنساني الراقي، هذا واحد فقط من بين آلاف الأمثلة من المعجم الذي يقدم مفاهيمه في لغة سلسلة ومعاصرة متمكنة، ميزة أخري من ميزات هذا العمل هي تعرضه لكل مناحي الحياة في الإسلام من حيث هو نظام اجتماعي قضائي وسياسي أخلاقي واقتصادي تجاري، فلم يترك المعجم جانبا إلا وتعرض له بالإضافة إلي سمة أخري تفرد بها، وهو أنه يورد المفردة بذاتها وترجمتها إلي اللغة الإنجليزية ثم يعيدها مرة أخري في سياقات متعددة، وهكذا فإنه يتفق وأحدث نظريات اللغة، فالمفردة لا تقف وحدها بمعناها بل لا بد من سياقها، ثم إن تحديد مفهوم المصطلح يتغير وفق السياقات المختلفة، ويساعد هذا كله في تحديد نهائي وشامل للمصطلح المراد تعريفه.
وفي النهاية أؤكد أنه إذا تركت للآخر حق تعريفك فسوف يستخدم ما يحلو له من تعاريف، ومفاهيم ويلصق بك ما يشاء من تفاسير، لهذا فقد أصبح لزاما علينا اليوم بدلا من أن نترك المراجع الغربية تعرف العربي المسلم بأنه، البربري المشغول بالبحث عن ملذاته والمنزلق وراء نزواته والمدفوع وراثيا نحو العنف، أن نقدم معجم صادراً عن أنفسنا يعد بمثابة مرجع يعود إليه الآخر، لتحديد كيف تري نفسك وكيف تود أن يراك من حولك.

