مقالات الأهرام العربى

بذور الأمل فى فلسطين والسودان ومخاوف المستقبل من التاريخ

أبومازن والبشير وجارانج يفتحون أبواب المستقبل للمنطقة

على عكس كل الروح التشاؤمية التى قدم بها المعلقون والسياسيون عام 2004، ولدت روح جديدة مع عام2005، فقد انتخب الفلسطينيون محمود عباس أبومازن، رئيساً للسلطة الفلسطينية بتفويض ديمقراطى متميز، وبتنافس حر، أكد قدرة مجتمعاتنا العربية على دخول عصر الانتخابات والديمقراطية، إذا صدقت الإرادة والعزيمة.

ودخول الفلسطينيين هذا العصر، وهم تحت الاحتلال منذ أكثر من 50عاماً، وعشية خروجهم من انتفاضة شعبية رافضة للاحتلال، مكنت الإسرائيليين من تصفية رموز الشعب المقاوم، وسط عمليات متتابعة، وأنهكت الفلسطينيين حتى النخاع، ودمرت مخيماتهم ومنازلهم، واقتلعت ما تبقى من أشجار الزيتون، وترملت النساء، وتيتم الأطفال، ومات الشباب، وما تبقى منهم فهم عاطلون عن العمل، وفى حالةعوز وفقر مجتمعى شامل.

الانتخابات تحت الاحتلال وفى ظل هذه الظروف المناخ غير الملائم، تعتبر تجربة قاسية وصعبة، والخروج منها بالمعادلات التى ترضى الشعب، ويعترف بها المراقبون الدوليون يتقدمهم رئيس أمريكى أسبق »كارتر«، ورئيس أمريكى مرشح منافس لبوش، وأثبت وجوده هو السيناتور »كيرى« ومئات من المراقبين من أمريكا والاتحاد الأوروبى ومصر، ومراسلون صحفيون من كل مكان، ويذهب الشعب إلى صناديق الاقتراع بهدوء وبدون شغب أو ضجيج وينتخب من؟ ينتخب محمود عباس، الذى هو رمز للاعتدال وسياسى غير ديماجوجى، بل شخصية براجماتية، لم يزايد أو يتزيد، بل طرح قضيته أمام الشعب فى وسط هذه الظروف الصعبة بكل صراحة، وطالبهم جميعاً بالتوحد ضد الاحتلال، مع رفضه، والاتجاه إلى حل القضية بالسياسة والتفاوض مع الخصم حتى لو سماه العدو الصهيونى كما هو دارج، فعاد وقرر بكل وضوح أمام صحافة بلاده، والصحافة الإسرائيلية أنها سقطة لسان، وأنه يتجه إلى حل الصراع وليس عسكرته، وكشف للفلسطينيين بأنه يتجه إلى بناء مؤسسات وسلطة حقيقية بما فيها الأمن، وأنه سيقف ضد الفوضى، الرجل لم يحاول أن يرضى سامعيه أو ناخبيه بل لم يتملق أحدا.

إنه شخصية غير عادية فى ظروف صعبة وغير عادية، لشعب عانى، بل غير عادى فى صموده وإصراره على المقاومة، التى وصلت لدى البعض حتى الانتحار، إلى أن جاء أبومازن محمود عباس بحل آخر هو الصمود السياسى وهو التفاوض، وطالب الفلسطينيين بالاعتدال والتنظيم، ووجدت هذه السياسة حلاً يستطيع به هزيمة الإسرائيليين والحصول على اعترافهم بحقوق شعبه، وانسحابهم من أرضه.

ما حدث فى فلسطين ليس سهلاً، وكثيرون كانوا لا يريدونه، ولكن ما حدث رغم صعوبته، لا يقلل من صعوبات القادم، وما أعنيه هنا ليس الأطراف الأخرى، فالإسرائيليون ستصبح مسئوليتهم جسيمة، فهم أمام رئيس هو السهل الممتنع، لا يمكن ابتلاعه، فهو لا يمثل رمزية يكرهونها، حيث لا يتحداهم بزى كاسترو، أو بالهتافات والشعارات، ولكنه يتكلم بلغة عملية محددة، وصعوبته وقوته ليستا فى الدولة التى تحت يديه أو فى المؤسسات التى يملكها، فالرجل ورث مؤسسات دينية ضعيفة للغاية، والظروف الضعيفة هى التى تصنع القوة بالحجة والمنطق، إذا أراد المجتمع الدولى سلاماً، وإذا أرادت أمريكا وإسرائيل حلاً لأزمة العصر، فليس أمامهما حل أو نموذج للاتفاق مثل محمود عباس.

فهو يطرح أمام الفلسطينيين، بل أمام العالم الحل الأخير، إما أن تصلوا معه إلى حل وسلام واتفاق يرضى الشعب، ولا يحرق محمود عباس أمام مواطنيه، وإما ستكون النهاية وسيترك الرجل عجلة القيادة إلى التطرف والإرهاب اللذين سيسودان فلسطين وينتقلان منها إلى العالم كله.

الطموحات والآمال العظيمة التى فجرها انتخاب محمود عباس وغياب عرفات قد تتحول إلى كابوس فظيع للمنطقة وللعالم.

وبالمثل، فالاتفاق السودانى على إنهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، حدث مهم ومؤثر، على مستقبل المنطقة، بل فى كل إفريقيا، ولكن فى حالة دخول بذور فرقه كبرى وتمزق كبير، ليس فى حالة فشله بتقسيم السودان فقط، ولكن بالانهيار الكامل، إذا تصور الموقعون على الاتفاق أنهم أصحابه، وأنهم وصلوا إلى الحل الجوهرى بتقسيم السلطة والثروة بينهم كفريق وليس لصالح كل السودان، ولا يمثلون شخوصهم أو مؤسساتهم، بل يمثلون السودان ككل، ولذلك فعليهم تقع مسئوليات جسيمة لبناء سودان حر ديمقراطى للجميع، وليس لأصحاب السلطة وإلا تمزقوا ودب الخلاف والنزاع ليس فى الشمال أو الجنوب مرة ثانية بل فيهما وفى الشرق والغرب كذلك، وسوف يعود التمرد والثورة بين الجميع .. فالسودان الديمقراطى الحر مسئولية الحكومة والجبهة، التى بدورها تنقل المسئولية للشعب، وتبنى الدولة السودانية بعد أن حققت استقلالها الثانى بنجاح، فهل تقدر؟

تطورات إيجابية فى داخلها بذور خوف وفشل كبيرة، هل يملك العرافون لا أقصد العارفين، فلا أحد يعرف أن يقرأ لنا ماذا بعد؟ الخوف يدفعنا أن نضع أيدينا على قلوبنا، فنحن بلاد الفرص الضائعة، والزمن الجميل الذى لا يأتى، وشعوبنا وقادتنا يبكون دائماً على الماضى .. هل نتغير مرة واحدة لندخل المستقبل؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى