مقالات الأهرام العربى

الحروب تصنع الإرهاب وليست حلاً له

حين يكرر الرئيس الأمريكى جورج بوش، فى خطابه الاحتفالى بالذكرى الأولى لنقل السيادة إلى العراقيين عبارة أن الحرب الأمريكية على العراق هى التى ستقضى على الإرهاب والتطرف فى منطقة الشرق الأوسط، فإننا يجب ألا نظل مكتوفى الأيدى أو حتى نصفق أو نوافق على هذا التحليل، لأننا ندرك، بوضوح كامل، مخاطر مثل هذا التفكير على صاحبه وعلى العالم الذى يقوده أولاً وأخيراً.

فالحروب مناخ ملائم ينمو فىها الإرهاب ويشتد بسببها التطرف، ولا يقف عند هذا الحد، بل ينتعش وينتصر تحت رعايتها، مهما تكن قوة الجيوش التى تحارب، لأنها ستكون الوقود الذى يزداد وينتشر خلاله ذلك الفيروس الخطير الذى جاءت لتهاجمه.

ومن هذا المنطلق أصبحنا أمام معادلة شديدة التعقيد، ونظرة ضيقة للحرب على الإرهاب، يجب أن يتخلص منها جورج بوش وفريقه الحاكم الذى صنع حروباً عبثية، ليس فيها انتصار مهما بدا له، بل فيها هزيمة وتبديد للأموال.

واستمرارها يعتبر انتصاراً للفكرة التى جاءت لتحاربها، وهذه هى خطورة المعارك الجهنمية الدائرة الآن، فهى كارثة إنسانية على الشعب العراقى المظلوم الذى تجرى على أرضه هذه الحرب من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحت الخطر الدائم على المنطقة بالكامل، وفى حال استمرارها سوف تعمل على إنعاش وإظهار كل الأمراض القديمة التى سوف تأكل شعوبنا، فصور الدماء التى تسيل فى العراق تعبِّد هذا الطريق، وتجعل من أرض الرافدين وادياً للموت بدلاً من أن تكون وادياً للخير والحياة والنماء لأهله أولاً والمنطقة ثانياً، بما تملكه من إمكانات وقدرات.

ويجب أن نتكلم ولا نسكت، لأن ما يحدث يخصنا جميعاً، فقد فتح باباً من أبواب جهنم على شعوبنا، وأكرر فتح طريقاً لحروب الطوائف والعشائر، فأطلت من خلالها كل الأمراض الخبيثة التى تصورنا أنها ماتت، لكنها عادت الآن مستغلة المناخات الخصبة التى عاش فيها العراق والمنطقة، قبل الحرب، من ديكتاتورية بغيضة، أفقدته الثقة فى نفسه وفى قدرته الكبيرة، وغيبت أحلامه لصالح الطواغيت، فأفقنا على أصوات دبابات وحروب، والآن يجب أن نتخلص من هذا الوضع، ونثبت وجودنا الذى غيبته الديكتاتورية والاحتلال معاً.

ولعلنا، ونحن نطاب بالتحرك العربى والإقليمى لإنقاذ العراق ووضع حد للحرب، نلتقى مع حالة راهنة، بدأ فيها الداخل الأمريكى يتململ، ويشعر العقلاء فيه، وهم كثيرون، بأن هناك كارثة مقبلة، وأن المستنقع الذى تحفره الحرب، لن يسقط فيه الأمريكيون وحدهم، إنما العالم والمنطقة معاً، وأن استمرار الوضع الحالى واتساع مسارات الحرب، يعمق هذا المستنقع، وكل استطلاعات الرأى الأخيرة تكشف عن حالة كبيرة من المخاوف بين الشعب الأمريكى، وتشير إلى انحسار التأييد لحزب الحرب.

وأعتقد أن أول حل أو علاج هو أن تعترف أمريكا بأخطائها فى العراق، وأنها انجرفت وراء سراب، فالعراق لم يكن فى السابق ولن يكون فى المستقبل منطقة فراغ حتى تملأه الولايات المتحدة، لأن هناك شعباً عريقاً، كما أن عروبته وإسلامه لاشك فيهما، ولا يمكن لأمريكا أو غيرها إلغاءهما أو حتى تهميشهما مهما فعلت أو خططت.

صحيح أن العراق مريض بالديكتاتورية والمخاوف ولايزال جسمه عليلاً، نتيجة جرائم صدام وحزبه، التى سهلت الطريق أمام المغامرة العسكرية الأمريكية فى أرض العراق، ولكن هذا الوضع ليس سبباً أو مبرراً لإلغاء شعب أو تاريخ أو حضارة، كما كان يخطط المغامرون لهذه الحرب الغريبة.

والأوضاع فى العراق، وفى منطقة الشرق الأوسط بسبب أخطاء السياسة الأمريكية، لن تحلها معجزة غائبة أو منتظرة ولكنها تحتاج إلى تصحيح فى المفاهيم، ورؤية جديدة تقود وتحصن مستقبل هذه المنطقة من العالم، والحل ليس فى فرض تصورات، أو استعلاء أمريكى فى التعامل، ولأن شعوب الشرق الأوسط واحدة من أقدم الشعوب وأعرقها، وسياسة أمريكا لا تعترف للقدماء بحقوقهم وتراثهم وتميزهم، فإن المخاوف أصبحت كبيرة على هذا العالم، وعلى تلك المنطقة تحديداً، وإلى أن تدرك أمريكا أن الشعوب القديمة يجب احترام تاريخها وخصوصياتها، فلن يكون هناك حل، وسوف تتفاقم المخاوف ولن تغيب أبداً.

من وجهة نظرى فإن بداية الخروج هى أن تسود الواقعية والعدالة فى السياسة الأمريكية الإقليمية فى الشرق الأوسط، وذلك هو الحل السحرى، وساعتها لن تتأخر كل شعوب المنطقة عن الإسهام فى الحل والمشاركة فى الإنقاذ من المأزق الراهن وتداعياته الخطيرة.

ولذلك جاء خطاب بوش فى كارولينا الشمالية، بمثابة دش بارد على شعوب المنطقة، كما فشلت زيارة كوندوليزا رايس إلى المنطقة فى وقت سابق، خاصة فى عدم قدرتها على الضغط على الإسرائيليين والحصول منهم على وعد بأن يكون انسحابهم من قطاع غزة ضمن أفق سياسى، فيعطى أملاً للفلسطينيين، ويدعم الاتجاهات الإيجابية فى سياسة الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وسياسة الفصائل الفلسطينية المتجهة إلى دعم السلطة الوطنية، والراغبة فى المشاركة السياسية وبناء دولة مستقلة للفلسطينيين، ومن هنا كان الخطاب والزيارة بمثابة رسالتين محبطتين إلى شعوب منطقة الشرق الأوسط، خاصة الدول العربية.

وعجز الأمريكيين عن ابتكار سياسة جديدة فى منطقتنا يحبط العرب، وشعوب الشرق الأوسط، ويجعل السياسة الأمريكية تفقد مصداقيتها، وتعلى من ازدواجيتها.

ولعل المخاوف من المأزق العراقى، وتداعياته على المستقبل الأمريكى والعالمى والإقليمى، تقلق واشنطن، وتدفعها إلى تغيير هذا التفكير فتسارع فى إنقاذ الموقف، فالجميع يعرفون أن الوضع المعقد لا نصر فيه ولا هزيمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى