الأمل المرتقب عقب تقرير ميليس…

ما زلنا بحاجة إلي قراءة متأنية للتقرير الزلزال أو الإعصار كما سمي خلال الأيام القليلة الماضية والذي نال الكثير من الاهتمام الدولي والإقليمي والعربي وانتظره الكثيرون حول العالم لمعرفة حقيقة ما جري ولماذا لرئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وأخيرا جاء التقرير الذي أصبح التقرير الأشهر حتي قبل أن يظهر وهو يحمل بين طياته الكثير من علامات الاستفهام والمخاوف والآمال وأهمها أمل أنه هناك مازالت توجد إمكانية لاحتواء الأزمة قبل تفجرها بشكل لا يمكن الرجوع فيه.
لقد فجر المحقق الألماني الدولي ديتليف ميليس بتقريره الذي قدمه إلي الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في 19 من أكتوبر الحالي تداعيات وتطورات سياسية وقانونية ستكون لها آثارها البعيدة علي الاستقرار الإقليمي لمنطقتنا إذا لم تتم معالجتها في إطارها الموضوعي وبلا شك أن هناك حرصاًعربياً قوياً ومؤكداً تجاه استقرار سوريا مع حسن تقدير لظروف المرحلة الجديدة التي يواجهها الشرق الأوسط والواقع أن سوريا قد تميزت خلال العقود الماضية بقدرتها الدبلوماسية الناجحة علي احتواء العديد من الأزمات وهي الآن تواجه فرصة جديدة لإثبات مدي قدرتها علي قراءة ملابسات الوضع الراهن وتفتح عقليتها للتعاون مع المحققين الدوليين والانفتاح علي المجتمع الدولي بذكاء وحكمة وشق طريق سلمي للمستقبل .
واليوم يبقي علي المسئولين السوريين قراءة متمعنة للتقرير فهو يشكل من بين الكثير من الأشياء منعطفا تاريخيا في علاقة سوريا بالمجتمع الدولي في الوقت الذي يتردد فيه تخطيط الولايات المتحدة وفرنسا لتقديم مشروع قرارين ضد سوريا في مجلس الأمن باعتبار ما يسمونه مظاهر تدخل سوريا في الشؤون اللبنانية .
و مع صدور تقرير ميليس يبقي علي النظام السوري التعامل الهادئ والمتزن مع نتائج التقرير وعدم التسرع في التعامل مع تلك النتائج لما يحمله هذا من آثار سلبية ليس علي سوريا ولبنان فقط بل المنطقة العربية بأسرها
لقد بات تقرير ميليس حقيقة لا يمكن تجاهلها وأصبح علي جميع الأطراف خاصة السورية واللبنانية التعاون معا لمواجهة محتوياته في إطار من الموضوعية والواقعية .
إن جريمة اغتيال الحريري في 14 فبراير عام2005 أيقظت الشعب اللبناني والقوي الإقليمية والدولية التي وجدت فيها منعطفات خطيرة للاتجاه نحو الفوضي وكسر الخطوط الحمراء في التعامل فيما بينها كما فجرت انتفاضة شعبية ترتبت عليها آثار سياسية وعسكرية ..محلية وإقليمية ودولية .
وللحقيقة فإن الكشف عن مرتكبي هذه الجريمة وتقديمهم للمحاكمة لم يعد مطلبا دوليا فقط وإنما هو أيضا مطلب عربي وإقليمي من أجل الاستقرار في لبنان والمنطقة فنحن نحتاج إلي سلامة المنطقة واستقرارها ولذلك فلن يقبل أحد بارتكاب جرائم فردية يضار بها شعب أو نظام عربي ويتحمل أوزار جريمة لا يد له فيها في حين أن مرتكبي الجرائم أيا كانوا يجب أن يقدموا للمحاكمة حتي تتطهر الشعوب والأنظمة من المجرمين والمشتبه فيهم ولذلك فإننا نكرر دعوتنا إلي كل الأطراف خاصة اللبنانية والسورية بضرورة مساعدة المحقق الدولي ميليس لإجلاء الحقيقة والتحقيق في كل الشبهات التي وردت في تقريره وإذا كانت فحوي هذا التقرير قد تضمنت أن جريمة اغتيال الحريري كانت لها دوافعها السياسية وأنه لم يكن لها أن تتم بدون مساعدة جهاز كبير أو التواطؤ مع الأجهزة اللبنانية فإنه غني عن القول إن التقرير تضمن أيضا أبعادا جنائية أشار إليها بما أسماه غشا وفسادا وغسيل أموال قد يدفع بعض الجماعات أو الأفراد إلي تنفيذ عمليات خاصة لمصلحة أفراد وجماعات ربما تكون خارجة عن أي سلطة برغم أنها قد تشكل جزءا منها .
نعم لقد حدث زلزال إقليمي بعد جريمة مقتل الحريري يترجمه الآن تقرير ميليس وتداعياته المستقبلية ولكنه يوفر في الوقت نفسه فرصا متزايدة للتغير والتكيف بين الدولتين اللبنانية والسورية معا لبناء مستقبل أفضل وعلاقات جديدة تحمي الشام والمنطقة العربية كلها وتحفظ للنظام العالمي استقراره وتحد من الانزلاق نحو اضطرابات جديدة مملوءة بالنيران والحروب فلا تتكرر كارثة احتلال العراق التي تسببت فيها أخطاء صدام حسين وتجعلنا ندرك خطورة وجود نيران في أكثر من موقع في الشرق الأوسط ناهينا عن قضية فلسطين التي مازالت جرحا لا يندمل وحروب الإرهاب والتطرف ومناخها المصمم لتوطين الإرهابيين والمتطرفين في أكثر من بيئة وموقع في منطقتنا الأكثر حساسية في عالمنا فهل نعي ذلك ؟

