مقالات الأهرام العربى

أسطورة الحريرى من الأب إلى الابن

ألهب سعد الحريرى خيال السياسيين، وهو يصيح فى الناخبين »محسوبكم سعد« ثم يسحب الميكروفون ليتكلم مع اللبنانيين من القلب، فقال مراقبوه الابن سر أبيه، ومن شابه أباه فما ظلم.

 

وميلاد نائب فى البرلمان، وزعيم سياسى فى فترة وجيزة شىء صعب، فلم يكن صعود الحريرى الابن 35 عاماً إلى هذه المكانة السياسية مخططا له من قبل، فلم يعرف عن سعد الحريرى نشاطاً سياسياً، أو حتى بروزا إعلاميا، إلا عقب وفاة أبيه فى 14 فبراير الماضى، ولم يدشن خليفة ويتجه إلى الناس إلا بعد انتهاء فترة الحداد الرسمى 40 يوماً من تاريخ الوفاة، وخلال ثلاثة أشهر، دخل الابن المعترك السياسى، وصال وجال فى الانتخابات، ونجح باقتدار فى الانتخابات البرلمانية يونيه 2005 ليصبح زعيم الأغلبية البرلمانية الجديد فهو لم يكسب فى بيروت وحدها معقل والده الانتخابى، ويفوز فيها بكل المقاعد، بل وصل إلى شمال لبنان، وهى منطقة لم يدخلها والده رئيس الوزراء الراحل، فبعد أن اكتسح عائلات بيروت التقليدية، وحجّم من الجنرال العائد من المنفى ميشال عون، وهزم سليمان فرنجية الابن، وزير الداخلية وقت وقوع الجريمة البشعة، الذى تعامل مع مصرع الحريرى وكأنه تخلص من خصم سياسى، ورأى أن الساحة أصبحت خالية له بعد الرحيل الدرامى للحريرى، فثأر سعد لوالده، وعاقب الوزير الذى يتكلم، فلا يتحكم فى مشاعره أو فى كلماته وهو وزير أو مرشح للنيابة، وأحدث المفاجأة القاتلة لخصوم الوالد، وبهذه النتيجة وبذلك الانتصار ورسم الحريرى الابن خريطة سياسية جديدة للبنان وأعطى فيها حجما محدودا وغير مؤثر، وصفه وليد جنبلاط، الذى تحول إلى حكيم لبنان وصوته المسموع، وحليف الحريرى الأب والابن المخلص جدا، بأن الحريرى الابن أوقف إعصار تسونامى العائد.

الحريرى الابن أصبح فجأة رجل لبنان القوى، وسواء أصبح رئيسا للوزارء الجديدة، أم حتى وزيرا فى الحكومة فتيار المستقبل الذى ورثه عن أبيه هو صاحب الأغلبية المريحة، التى تمكن الحريرى من اختيار رئيس الوزراء، وصياغة السياسات الاقتصادية، وتقديم البرامج، وستكون له اليد الطولى فى كل أوضاع لبنان فالتحالف الذى قاده لم يكن تحالفاً انتخابياً، بقدر ما كان تحالفا سياسيا ستكون له وجهة النظر الأساسية فى مستقبل لبنان السنوات المقبلة.

وتجربة الحريرى الابن تستحق الدراسة والتأمل، فلم يكن صعودا سهلا، بل كان صعودا عنيدا، والشىء الذى شغلنى أنه استطاع فى هذه الفترة القصيرة أن يصل إلى الناس ليصبح زعيما قويا فى البرلمان، وذلك رغم أنه وصف نجاحه بأنه ليس خارقا وقال إنه ليس غارقا فى الأوهام لأن »الناس توجهوا إلى الصناديق من أجل والدى، وأعتقد أننى لست حتى الساعة إلا مجرد رمز، ويجب أن أعمل جاهدا خلال السنوات الأربع المقبلة لكى آخذ القليل من مكانة والدى«.

وبالفعل فإن رفيق الحريرى كان الغائب الحاضر بامتياز، وجاء إعلان نجله دخوله المعترك السياسى تحت صورة كبيرة لوالده.

ورغم اقتناعى بأن جريمة اغتيال الرئيس الحريرى البشعة كان لها تأثيرها الضخم فى وجدان الناس وشحنهم لمعاقبة المجرمين بانتخاب ابنه فى بيروت وقائمته، فإن صعوده فى الشمال ومحاصرته القوائم الأخرى فى طرابلس جاء ليؤكد أن للحريرى الابن نصيبا من الفوز يعود إلى شخصيته وحركته الانتخابية التى ألهبت حماسة الناخبين وجعلتهم يذهبون إلى الصناديق، لكى يعطى البيروتيون الحريرى الابن ليس النيابة وحدها ولكن الزعامة جاءته على أيدى أبناء الشمال وأبناء طرابلس ليتقدم، ليس طائفته السنية وحدها، بل ويمنحون مرشحيه الزعامة للطوائف المسيحية، ويجعلون العونيين، رغم تيارهم الكاسح أثناء معارضة الوجود السورى فى لبنان عبر السنوات الماضية، نسبة ضئيلة، تجعل اليد الطولى للحركة والتأثير للحريرى وحلفائه.

وبذلك فإن مكانة الحريرى الابن السياسية ستكون أقوى داخل البرلمان من مكانة والده، وسيكون لقراره ورأيه تأثير فى اختياره ليس رئيساً للوزراء المقبل فحسب، بل اختيار رئيس الدولة المقبل أيضا، وتلك الحالة إحدى مفارقات القدر، فالابن أصبح ذا نفوذ وقدرات وقرارات فى السياسة تفوق والده رغم افتقاره للخبرة السياسية، فهو لايزال شابا، لكنه اكتسب خبرات تعليمية عالية فى الاقتصاد والإدارة من أكبر جامعات أمريكا وجورج تاون، وأدار امبراطورية والده فى السعودية، وما يجعلنى واثقا من أن سعد الحريرى سينجح هو أنه كان ولايزال متواضعا، وليس عنيدا، وسوف يستمع إلى مجموعة من المستشارين، أما خبرته الإدارية وإلهامه السياسى وتواضعه فسيجعله قادرا على الفرز بين من يخدعه وبين من يبحث عن الاستفادة من ورائه وسوف يدرك من هو القادر على مساعدته ومن هنا يتم تكريس نجاحه السياسى فى بلد صعب المراس مثل لبنان.

ويقولون عن الحريرى الابن، إنه يفتقر إلى إستراتيجية سياسية واقتصادية واضحة المعالم وأن الشىء الوحيد الذى يتحدث عنه هو المصالحة الوطنية، وهو ما يبدو فى غاية الأهمية.

ولكننى أعتقد أن أبرز قدرات الحريرى الابن ستكون فى الاقتصاد والإنماء مثل والده، فهو يعرف أن العصر الراهن له سياسة واضحة فى الاقتصاد، وهو يعرفها جيدا، وستكون له برامج اقتصادية لجذب الاستثمارات من الخارج وإقامة المشروعات ومواصلة تعميق علاقاته مع المجتمع الدولى والشركات العالمية الإقليمية وهو يعرف طريقها جيدا، شرط أن يمضى فى طريقه كالإصلاح الإدارى فى الحكومة وفى السلطة القضائية، ومواجهة الرشوة والفساد ويقوم بخلق سياسة تساير العولمة وتتفادى أخطارها وتؤسس لحقبة جديدة فى لبنان عنوانها الاقتصاد المزدهر والتشغيل الواسع، ومعدلات التنمية الكبيرة.

فهو شخصية عملية وتملك مهارات، وتتعاون مع الجميع فانتظروا جيلا جديدا فى الإدارة والسياسة يبزغ من لبنان أفرزته الأزمة والموهبة واحتضنته الجماهير بلا خوف.

إنها صورة سياسية مثيرة ظهرت من رحم الأزمة والأجواء الصعبة، ولكنه القدرة والمناخ المناسب عندما يحقق الأدوار ويمنح الألقاب ويمهد طريق النجاح.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى