مقالات الأهرام العربى

أبو مازن يرسم ملامح الغد الفلسطيني

منحني الجلوس مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن شعورا داخليا بكثير من الثقة في الغد الفلسطيني، فالرجل يعرف جيدا ما يريد ويعرف أكثر كيفية الحصول علي ذلك ويري بقدر كبير من الحكمة المستقبل الفلسطيني، و يمسك بجميع خيوط وأطراف القضية الفلسطينية بيد من حديد، ويفتح معي بقلب مفتوح وصراحة رجل شجاع ملفات الماضي ويرسم ملامح المستقبل الذي يأمله ويريده لشعبه، ويدرك الوقت المناسب لوضع أكثر من خط أحمر تحت مطالبه الجديدة وفوق كل ذلك يعترف بالأخطاء بقدر من القوة ويطالب بالحق بلا تردد

كنت قد التقيت الرئيس الفلسطيني عقب انتهائه من لقاء الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ منذ أيام قبل سفره إلي الخرطوم لحضور القمة العربية وفي ذهني الكثير من التساؤلات حول المرحلة المقبلة التي تواجهها القضية الفلسطينية، وما يواجهه أبو مازن شخصيا ، فهو من ناحية مطالب بالتعامل مع حكومتين جديدتين ، إحداهما حكومته الحالية والمكونة من حماس الفصيل الإسلامي المعارض لكثير من توجهات الحكومات الفلسطينية السابقة وللميثاق الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية، أما الأخري فحكومة إسرائيلية جديدة منتظر أن ترث حكومة أرييل شارون وهي حكومة قد لا تكون جديدة في سياستها ولكنها بالقطع ستختلف في أسلوب التعامل مع القضية الفلسطينية ، مما يعني أن أبو مازن باختصار مقبل علي مرحلة جديدة من المتغيرات التي قد تدفعه إلي حد إعادة نظر كاملة في أجندته السياسية وهذا كله ربما يدفعه نحو توجهات جديدة

الواقع أن الرئيس الفلسطيني تمكن خلال السنوات الماضية من إدراك حقيقة أساسية في طبيعة التعامل مع الجانب الإسرائيلي وهي أن إسرائيل تتمني ألا يكون هناك شريك فلسطيني يمكنها التحاور معه، ويدرك من خلال الخبرات السابقة أنها أصرت علي تجاهل الرئيس الراحل ياسر عرفات واستمرت تتلاعب علي نغمة أن لا شريك لنا علي الجانب الفلسطيني، مع أبو مازن إلي أن تحولت تلك النغمة إلي ركن أساسي في السياسة الإسرائيلية، ولهذا فقد كشف لي أبو مازن أنه في كامب ديفيد 2 لم يلتق باراك بأبو عمار ولا مرة واحدة طيلة فترة الـ 16 يوما التي كانت مجمل فترة المفاوضات، وظل يردد بأنه لا يوجد شريك يمكن التفاوض معه

ولكن الرئيس الفلسطيني بلا شك تمكن خلال الفترة السابقة من إثبات أنه شريك، وشريك قوي وأكد لجميع المراقبين الدوليين بأنه مؤمن بالشرعية الدولية وبالسلام وبالتفاوض وبخريطة الطريق ولهذا فانه يؤكد علي أنه قادر علي التفاوض مع أي حكومة إسرائيلية مرتقبة فهو يعرف جيدا كيف يتفاوض، ويصبح أكثر قوة عندما يكون التفاوض حول حقوق الشعب الفلسطيني، ويري أنه أيا كانت الحكومة الإسرائيلية القادمة، فإن يد الشعب الفلسطيني ممدودة دوما للسلام وبالطبع أيضا يده ممدودة لرئيس الحكومة القادمة ومستعد في أي وقت للجلوس علي طاولة المفاوضات وبحث جميع القضايا بكل صراحة وموضوعية، وتوضيح أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بالحلول أحادية الجانب التي أثبتت بكل وضوح أنها تؤجل عملية السلام

لكن أبو مازن لا يعرف اليأس فقد أخبرني خلال اللقاء بأنه أرسل رسالة جديدة إلي القيادة الإسرائيلية المرتقبة، طالب فيها بفتح قناة خلفية برعاية دولية وإقليمية لإيجاد حل شامل وعادل للقضايا الفلسطينية وهي قناة تختلف عن قناة أوسلو السرية وكان قد عرضها علي الرئيس الأمريكي جورج بوش منذ أربع سنوات، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون رفضها وقتها، ويري أبو مازن أن الحل المرحلي طويل الأمد لا يفيد وأنه مستعد لتوقيع اتفاقية سلام شامل مع إسرائيل، وفي نفس الوقت يرفض تجاوز خريطة الطريق ويصر علي رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي

ربما شعر أبو مازن بقدر من المرارة عقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولكنه بكل تأكيد تجاوز سريعا تلك المرارة، وقد شعرت بهذا تماما خلال حواري معه فمع كل الصعوبات التي واجهها أخيرا مازال يحمل في قلبه كل الحب والحرص علي مصالح شعبه الذي أكد ثقته له وانتخبه مرة أخري ومن أجله سرعان ما يتجاوز الأزمات ويكسر العراقيل، ومن أجله أيضا كان حريصا علي تبصير الحكومة الجديدة بحقائق الأمور، ودفعها لرؤية ما يمكن أن تواجهه في المستقبل، ولكنه أيضا أصر علي أنه ما زال متمسكا بمنظمة التحرير، ومازال يؤكد علي أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، حتي ولو كانت في حاجة إلي ترميم وإلي وقت لتفعيل دورها إلا أنها تظل الأساس، لأن القضية الفلسطينية ليست قضية سلطة من الداخل فحسب وإنما قضية شعب كامل يظل جزء منه يقدر بأربعة ملايين ونصف المليون في الخارج وتظل المنظمة هي المظلة التي تظلل جميع الفلسطينيين في أي مكان في العالم وتظل السلطة للداخل فقط

وفي النهاية فإن أبو مازن يعول كثيرا علي الدور المصري، ويصف العلاقة بينه وبين مصر بأنها ليست علاقة موسمية، بل إنها كانت وستظل قائمة علي أساس رؤية متفق عليها فمصر الأقدر علي تفهم طبيعة وحساسية الوضع الفلسطيني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى