مصر حاضرة حول الدستور

تعيش مصر الآن مرحلة فارقة في تاريخها السياسي, إذ تتاح الفرصة لأول مرة ـ منذ نصف قرن تقريبا ـ للقيام بأكبر تعديل دستوري, يمثل بحق نقلة نوعية في النظام السياسي المصري وصياغته وفق قواعد جديدة, وقد بدأت هذه المرحلة منذ ما يقرب من عامين, وبالتحديد منذ طرح الرئيس مبارك تعديل المادة76 في فبراير عام2005 الذي كان فاتحة تحديث الدستور. لكن الخطوة الأبرز, كانت مطالبة الرئيس مبارك بتعديل حزمة من مواد الدستور34 مادة من أصل211 مادة يحتويها دستورنا الراهن, تستهدف تجديد آليات العمل السياسي وتزويده بإمكانات تحقيق الاستقرار والتقدم معا خلال مرحلة التحول الديمقراطي, مع تأهيل النظام السياسي لكي يصبح قادرا علي الانتقال إلي مرحلة الديمقراطية الكاملة. وكانت عملية التأهيل هذه هي العمود الفقري لبرنامج الإصلاح السياسي الذي تضمنه برنامج الرئيس مبارك الانتخابي الذي دخل به أول انتخابات رئاسية في تاريخنا.
لقد تعرضت عملية صياغة التعديلات الدستورية لأكبر حوار عام واسع ومعمق من جانب كل التيارات السياسية والحزبية, ليس داخل البرلمان بمجلسيه( الشعب والشوري) فحسب, بل في شارع سياسي عريض, وفي إعلام واسع ومفتوح, لا يستطيع أحد إنكار مدي الحرية التي يتمتع بها, حوار امتد بطول الوطن وعرضه, في مدنه وقراه, وكل محافظاته. حوار بدأه الرئيس وهو يجوب المحافظات حاملا برنامجه الانتخابي(الوثيقة الوطنية), الذي احتوي بحق علي أكبر وأضخم عملية إصلاح عبر تاريخ مصر الطويل.
لقد أصبحنا نري من حولنا نتائج عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي تفرز وضعا جديدا, وتحقق نتائج كبيرة, وتري فيها جموع الشعب أننا تمكنا بالفعل من اجتياز مرحلة الاختبار الأصعب بنجاح.
في هذا الوقت الدقيق, في هذه المرحلة المصيرية تدخل التعديلات الدستورية مرحلتها قبل الأخيرة في المناقشة, قبل طرحها علي مجلس الشعب لإقرارها, وقبل استفتاء الشعب عليها في الأسابيع المقبلة. وخلال تلك الفترة القصيرة زمنيا, الحاسمة مصيريا, علينا أن نتحلي بروح جديدة, تتناسب مع المتغيرات التي نعيش لحظات ولادتها لنستوعب تأثيراتها علي واقعنا الراهن والمستقبلي, وألا نقع أسري لمحاولات البعض تخويفنا أو تهديدنا برؤي قاصرة, عاجزة, وهي تلك العقلية المترددة التي تجبن في اللحظة الحرجة عن إكمال المسيرة, أو تقع أسيرة مخاوفها القديمة, أو تحت طائلة البحث عن التمايز برؤية قاصرة تتمثل في اللجوء إلي أسلوب الإحجام عن المشاركة.
ولأن الحوار الديمقراطي له أعراف وأصول, ليس من بينها الانسحاب أو المقاطعة, أو توقف العقل حول الاتهامات المرسلة, واللغة سابقة التجهيز, التي تعبر عن العجز عن التفكير أو المواجهة الحقيقية أو العملية, مع الاستمرار في عمليات الشحن والتزييف والفتن وزرع الأوهام, فإن تعديل الدستور ـ كما يراه جموع المصريين ـ هو نقلة نوعية غير مسبوقة في مسيرتنا السياسية, إذ لم يسبق في تاريخنا أن طرحت تعديلات أو صياغات دستورية لحوار بمثل هذا المستوي الذي كان رئيس الدولة نفسه هو الداعي إليه, تدعيما للمشاركة الشعبية في القضايا الحيوية والمصيرية.
وتأكيدا لمبدأ يأمل أن يراه سائدا في حياتنا السياسية, وهو ألا يغيب المصريون عن أمر يتعلق بجوهر نشاطهم العام. وأن يدرك الجميع أن التعديلات الجديدة قد جمعت مابين الواقع الماثل أمامنا والمأمول الذي نسعي لتحقيقه, في إطار يسمح بتطوير الواقع, حتي لايمضي النص في اتجاه والواقع في اتجاه آخر, وألا نقع أسري لدساتير قديمة, تكفل الحرية والحقوق الأساسية والفرعية, ولكن واقعها كان يمضي في اتجاه آخر عكس مايكتبون ويقولون.
وبالرغم من أسفنا علي من يتخوفون الآن ويترددون أو يبحثون عن الأوهام أو يريدون العودة بنا إلي الماضي, فإننا سوف نصر علي التقدم إلي الأمام, ولن تتوقف مسيرة الإصلاحات في كل المجالات, وسيكون الإصلاح السياسي هو الضامن والحارس لكل التغييرات والتطورات الإيجابية في مصر الآن.

انتخاب الرئيس
لقد حققت التعديلات الدستورية, التي نحن بصدد عرضها علي مجلس الشعب, عدة أمور جوهرية في عملية الإصلاح السياسي:
أولها ـ أن تعديل المادة76 الخاصة بانتخاب الرئيس أعطي الأحزاب الموجودة علي الساحة فرصة مدتها عشر سنوات, دون التقيد بالنسبة اللازمة للوجود داخل البرلمان, بشرط وجود عضو واحد لها بمجلس الشوري أو مجلس الشعب, كما انخفضت نسبة التمثيل من5% في كل من المجلسين( الشعب والشوري) إلي3% فقط ـ وهو تعديل واقعي يتناسب مع ظروف أحزابنا والحياة السياسية ويتيح للأحزاب فرصا متزايدة للمنافسة, ويبطل كل الحجج التي ادعت ـ نظرا لعدم قدرة الأحزاب المصرية علي الوصول بأعضائها في البرلمان إلي النسبة السابقة ـ أن التعديل الدستوري قد أعادهم إلي النظام السابق ألا وهو الاستفتاء, بما يعني أننا حافظنا علي حيوية القرار الاستراتيجي للرئيس مبارك بتعديل تلك المادة الدستورية عبر المنافسة, والتي نعتبرها مفتاحا لتغيير النظام السياسي المصري, لأنها أعطت الشعب, لأول مرة الحق في اختيار رئيسه بالانتخاب الحر المباشر, ولم تعد هناك أي قيود مانعة لإطلاق باب الترشيح والاختيار مع وجود ضمانات الجدية واحترام المنافسة علي منصب الرئيس.
برلمان يضع الموازنة ويختار الحكومة
الأمر الثاني هو تحقيق التوازن بين السلطات بتوسيع صلاحيات السلطة التشريعية في مجال الموازنة العامة للدولة, ومنحها حق سحب الثقة من الحكومة, وهي خطوة استراتيجية كبيرة, لايمكن التقليل من أهميتها في فتح الرقابة الشعبية علي أموال الدولة وحماية حقوق دافعي الضرائب, ومراقبة الحكومة التنفيذية في التصرف في الميزانية, وتوجيهها لمصلحة الشعب بكل فئاته.
وكذلك تحقيق التوازن داخل السلطة التنفيذية نفسها بتقليل سلطات رئيس الجمهورية ومنح سلطة أكبر لرئيس مجلس الوزراء والحكومة التنفيذية, في نظام حديث وكفء, يقترب من النظام البرلماني, ويعطي السلطة الرئاسية مكانتها ودورها, للحفاظ علي الاستقرار, وأن تكون حكما بين السلطات, والتغيير هنا يحمل في طياته معني التدرج والتطور السياسي, ويشير إلي قدرة المجتمع المصري علي التحول نحو نظام ديمقراطي عصري, دون حدوث هزات أو فجوات, والتدرج هنا علامة مميزة يجب الإشادة بها ووضعها في مكانها الصحيح, وعدم التقليل منها لمصلحة أهواء.. أو جريا وراء الراغبين في القفز في الهواء دون معرفة موضع أقدامهم.
دستور يصون الحريات ويحمي الوطن من الإرهاب
أما الأمر الثالث والمهم فهو التطور الجوهري الذي يتعلق بأن التغييرات الدستورية الجديدة سوف تتيح لمصر إنهاء حالة الطوارئ التي طالت, والانتقال للعمل وفق القوانين العادية, مع تحصين المجتمع من الظاهرة الإرهابية التي هددت حياتنا طويلا في التسعينيات من القرن الماضي, وحققت التعديلات الدستورية التوازن الدقيق بين الحريات العامة التي كفلتها المواد(41 و42 و45) في الدستور للحريات العامة, مع تحصين المجتمع ضد الجريمة الإرهابية عن طريق هدفين, هما: المساواة بين التلبس والجريمة الإرهابية في حالات الضبط, علي أن تكون تحت رقابة القضاء اللاحقة, وحق رئيس الجمهورية في إحالة الجريمة الإرهابية إلي محاكم عسكرية لسرعة البت في القضايا, مع حمايتها وصيانتها للحريات الثلاث التي كفلها الدستور للمواطنين عامة( الشخصية, والمسكن, والمراسلات).
وغالبا ما يقول البعض إن قانون العقوبات كاف لمواجهة الجريمة الإرهابية, لكنه غير كاف لمكافحة الإرهاب. ففي قانون العقوبات تتم العقوبة علي أثر الجريمة, في حين أن قانون الإرهاب الجديد يستهدف مكافحة الجريمة قبل حدوثها بالمعني الوقائي العام. فنحن أمام جريمة خطيرة, تتطلب مواجهتها تشريع قانون, يتناسب مع طبيعتها الخطيرة علي أمن وسلامة الفرد والمجتمع. ولا مساومة في جريمة الإرهاب, فهي ليست كأي جريمة أخري, ويجب أن تحال إلي أي قضاء, بما فيه القضاء العسكري. فالجريمة الإرهابية ترتكب عادة بأدوات حرب( ذخائر وصواريخ), ويرتكبها أفراد وميليشيات ذات تنظيم شبه عسكري. لذا, فهي جديرة بأن تعرض علي محاكم تستطيع أن تفصل فيها, بالخبرة والقدرة والسرعة معا, وتحت رقابة كاملة من القانون.
ولنتذكر مخاطر الإرهابيين 
فنحن أمام تطور يجب أن نساعد جميعا في تحقيقه, وهو الحفاظ علي استقرار الوطن. ولنتذكر جميعا أن حالة الأمن التي نعيشها الآن لم تكن متوافرة منذ أواسط السبعينيات وحتي اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في عام1981, وتنوعت مصادر الخطر الإرهابي الممثل في الجماعات المسماة دينية, مثل الإخوان المسلمين, والجماعة الإسلامية, أو الجهاد, وغيرها, وجرائمهم متعددة من اغتيالات للمسئولين والوزراء والأدباء والكتاب, حتي تهديدهم الاقتصاد القومي في مجالات عديدة, وقد عشنا حالات عنف هذه الجماعات في عامي1982 و1984, ثم عاد مؤشر العنف يتفاقم في عامي1993 و1994 بما أدي إلي انعكاسات سلبية علي الاقتصاد المصري الذي كان من الممكن أن يتعافي ويتطور, لكن عقبة الإرهاب وقفت ضد مصلحة الشعب بعد أن عادت لتنظيم صفوفها في الخارج وأقامت تنظيمات جديدة لها في الداخل, وهددت اقتصاد مصر, وجمدت الحياة في الصعيد, مما كان له أبشع الأثر علي حياة المواطنين في جنوب الوادي, وأدي إلي هروب الاستثمارات, وإلي انخفاض حاد في مستوي المعيشة.
ومن الواضح أن انحسار العنف بنهاية القرن العشرين لم يأت من فراغ بل كان نتيجة تطورين مهمين: الأول هو اتباع استراتيجية أمنية تقوم علي أسلوب المبادرة والوجود الأمني المكثف والمستمر. أما التطور الثاني فهو تكاتف المجتمع مع الدولة في مواجهة الإرهابيين, خاصة بعد تعرض المواطنين الأبرياء للقتل في عمليات العنف التي قامت بها تلك الجماعات, إذ روعوا الآمنين, وهددوا استقرار المجتمع.
ويجب أن نعطي حالة الطوارئ حقها في هذا المضمار. وإذا كنا نشعر الآن بنوع من الأمن, ونلمس التطور الاقتصادي والنمو الذي بدا حقيقيا من عام2001. حيث حققت مصر نسب نمو متفاوتة وصلت إلي6.9% في العام الماضي, فإننا لا ننكر دور هذه الحالة في تحقيقه, وإذا كنا نتطلع للمستقبل ولاستمرار الإصلاحات فيجب أن نقف جميعا صفا واحدا وراء التغييرات الجديدة التي تكفل استمرار التوازن بين تحقيق أهداف الإصلاح ومواجهة التطرف والإرهاب.
لقد جاءت الصياغات الدستورية الجديدة دقيقة تحمل لنا بوضوح أن الدولة لن تقايض الأمن بالحرية, أو الاستقرار بقمع التعدد, ولأن أي نظام رشيد لايمكن أن يتخلي عن الأمن باعتباره مهمة أساسية للدولة, بل هو الأولوية الأولي لأي نظام سياسي, من أجل تعبئة الشعب للحفاظ علي البقاء في ظروف عالم يتغير بسرعة في كل المجالات, كما يضطلع بمهام دفع المجتمع في اتجاه الاستجابة لتطلعات المواطنين في حياة كريمة لائقة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا.
نظام انتخابي متطور وانتخابات نزيهة
أما الأمر الرابع فقد استطاعت حزمة التعديلات الدستورية التعاطي بإيجابية مع رغبة المجتمع في تغيير النظام الانتخابي الراهن, وطريقة إدارة العملية الانتخابية التي شابها في السنوات الماضية كثير من القصور وعدم القدرة علي التكيف مع المتغيرات عن طريق فتح الباب لظهور قانون انتخابي جديد, حيث كان الدستور الحالي يقيده في شكل واحد, هو الانتخاب الفردي, وجعل النظام الانتخابي ـ وهذا شيء طبيعي ـ جزءا من القانون, وليس من الدستور, بما يساعد علي تقوية النظام الحزبي, ويحافظ علي وجود المستقلين.
ولعل التغيير الأمثل الذي تم في أسلوب إدارة العملية الانتخابية بظهور لجنة عليا لشئون الانتخابات, علي أن تكون مستقلة, وتضم الخبرات المجتمعية بما فيها رجال القضاء الحاليون والسابقون مع تحصينهم للمهمة الانتخابية بما يحقق سرعة تنفيذها, والقدرة علي إتمامها في يوم واحد, مع تجاوز سلبيات الانتخابات السابقة التي كانت تجعل قاضيا لكل صندوق, وإعاقتها للعملية الانتخابية, لأن طبيعة القاضي وثقافته وتعليمه تجعله غير قادر علي تقديم خدمة البحث في الكشوف من الناحية الموضوعية مما, يضع أعباء وصعوبات أمام الناخبين تجعلهم ينفرون من العملية الانتخابية لطول المدة وازدحام طوابير الانتظار وصعوبة الانتخاب.
ونستطيع أن نعتبر أن تلك الخطوة حققت الإشراف القضائي الحقيقي والفعال والمنجز علي العملية الانتخابية وتوابعها, من الفرز وحتي إعلان النتيجة, وتتحمل خلالها اللجنة الانتخابية الجديدة مهامها الواسعة.. السياسية أكثر من القضائية البحت مع تحصينها.
حماية النظام التعددي
وحظر الأحزاب علي أساس ديني

ووضع الدستور لأول مرة خطا فاصلا بين الجماعات التي تتبني برنامجا سياسيا ينذر المجتمع بكل الأخطار, عبر خلط الأوراق بين ماهو سياسي وديني تلك الجماعات المحظورة التي استطاعت أن تخترق مؤسساتنا الدستورية, بالمخالفة للقوانين وتوجد تحت قبة البرلمان لتمارس الآن نوعا من الفوضي, وتقف ضد إصلاحاتنا الدستورية, وأصبح واضحا أن الإصلاح سوف يأخذ مداه, حيث تنص المادة الخامسة علي عدم مشروعية قيام حزب ديني أو عنصري أو طائفي.
ولأن دستورنا يعلي من قيمة المواطنة والمصالح الوطنية العليا التي تحقق المساواة, فالعمل السياسي لابد أن يسعي إلي خدمة المواطنين جميعا علي اختلاف أديانهم وأعراقهم وطوائفهم.
ومازلنا نتذكر, بل ونعايش, كيف تتلاعب هذه الجماعة بشعارات تجد في الخلفية الدينية للمصريين شيئا من التعاطف, حتي أدرك الجميع زيف تلك الشعارات, ولو أن التعديلات الدستورية انتهت إلي تنقية حياتنا الدستورية من مثل هؤلاء لكفتنا شرورا كثيرة, فليس في تلك التعديلات ما يمنع مواطنا مصريا مسلما أو قبطيا من ممارسة حقوقه في إطار أحزاب سياسية تستوعب الجميع دون تفرقة, وتعمل من أجلهم دون تحيز.
إن قضية تعديل الدستور وصلت إلي مرحلة مهمة وحساسة من النضج والتكامل, وعلينا جميعا أن نتكاتف حتي تصل التعديلات إلي بر الأمان, وأن تزداد وتتحقق المشاركة السياسية لكل المواطنين, فهي هدف الدستور الجديد. ولندرك أن الإصلاح مستمر ولن يتوقف.
ولعلي أخيرا أتوقف أمام الدور المؤثر والفعال الذي قام به فريق الحزب الوطني وخبراؤه السياسيون والقانونيون في إدارة عملية الحوار الواسع حول التعديلات الدستورية. وقد كانوا بالأمس في اجتماع لجنة السياسات واضحين ومعبرين ومستوعبين أن الدستور المصري لا يوضع لمصلحة حزب, ولكن للوطن ككل, بل إن أعضاء الحزب ولجنة سياساته مارسوا بحرية كاملة شرح آرائهم وتطلعاتهم للدستور, واستمعوا وتناقشوا وخرجوا بالتصور الكامل, من صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني الذي شرح بعمق وأكد أن الدستور خرج من قلب الوطن وعمقه, وأن مصر دولة مدنية وليست علمانية أو دينية وأن دستورها يحمي حرية ممارسة الشعائر الدينية.. وجمال مبارك أمين السياسات, الدينامو الذي يضع عينه علي السياسات العامة والخطوط العريضة, ولا تضيع منه التفصيلات.. والذي يحترم الجميع ويحترمه الجميع, بدوره شرح كيف أن الدستور الجديد فتح الآفاق للمجتمع لاختيار النظام الاقتصادي الذي يتناسب معه, وكيف وضع أمامه ونصب عينيه حماية البعد الاجتماعي للبسطاء, وصيانة الحريات الأساسية. وإحداث التحول أو النقلة النوعية لقيام قانون يحمي المجتمع علي المدي الطويل من الإرهاب وتبعاته.. وشخص التحول السياسي الكبير الذي تشهده مصر في ظل تحديث الدستور.
ويجب ألا ننسي أن جلسة المجلس الأعلي للسياسات أمس الأول كانت في حد ذاتها رسالة مهمة للمجتمع لم تقتصر علي تقديم الدستور المصري الجديد بعد التعديلات, وتأثيرها الاستراتيجي علي شكل الإصلاح السياسي, الذي يعتبر برنامج الرئيس وعموده الفقري, ولكنه اهتم في الجلسة الثانية بوضع الشعب والحزب أمام المؤشرات الاقتصادية وسياسات تحفيز الاستثمار, التي عكست أننا بدأنا بالفعل نجني ثمار العمل الجاد, فالاقتصاد في عامه الأخير, هو الأعلي في معدلات النمو وجذب الأموال, ومعدلات التشغيل, ومراعاة البعد الاجتماعي والخدمي وتحسين أوضاع العاملين, والأهم أننا جادون في النقد والعمل لاستمرار الإصلاحات المالية والنقدية, وزيادة الإنتاجية, ولسنا قانعين, ومازال أمامنا الكثير لنحققه في مجالات عديدة.
إن مجموعة الخبراء الذين قدموا الدستور: السياسيون د. مفيد شهاب ود. علي الدين هلال ود. محمد كمال والقانونيون محمد الدكروري ورمزي الشاعر ـ قادرون وملمون بمختلف التفاصيل, ويجب أن نستمع إليهم جميعا بروح مختلفة, فرغم حزبيتهم وانتمائهم للحزب الوطني لكننا لمسنا تجردهم وتطلعهم إلي الدستور الجديد للوطن ككل, لأنه يحقق تطلعاتنا في اللحظة الراهنة, ويعبد المسار نحو المستقبل ليفتح أمام مصر بابا سحريا للإصلاح السياسي. وتحقيق بنية أساسية سياسية قادرة علي قيادة المجتمع إلي الأمام, واستيعاب كل المصريين في حركة دءوب متطورة لعملية سياسية عصرية, دون الانزلاق إلي الفوضي أو الردة لأي سبب من الأسباب.
والاقتصاديون د. يوسف بطرس غالي ورشيد محمد رشيد ومحمود محيي الدين.. قدموا الاقتصاد والاستثمار: رؤية الداخل وقياسات الخارج, ومنظماته الإقليمية, والدولية, وتلك قصة أخري تستحق أن تكتب بالكثير من الفخر والاعتزاز أننا نتحرك في كل الجبهات, وعملية البناء والتحديث لا تتوقف, وبالتأكيد فإن ثمارها ستعود علي الجميع.
ولعلنا الآن نشعر ببداية العافية والتطور, ولكن حان أوان المشاركة للجميع, وعلي المترددين والخائفين, وحتي المعوقين, أن يراجعوا مواقفهم, وأن يمدوا أيديهم, فالحركة تستوعب الجميع والصورة مبشرة والمستقبل مشرق بكل تأكيد.
