التعديلات الدستورية ليست تحت وصاية أحد

التعديلات الدستورية ليست تحت وصاية أحد الكلمة الآن للشعب هل يمكن التضحية بمصلحة وطن بأكمله لإرضاء قلة قالت كلمتها وعبرت عن آرائها بحرية كاملة؟! لن تتحقق الديمقراطية في ظروف الصمت والسلبية.
وضعت مناقشات مجلس الشعب نهاية لحوار طويل, امتد أشهرا عديدة, حول التعديلات الدستورية. وقد اتسعت تلك المناقشات لجميع الآراء والتيارات, لكي تجادل وتتفق وتعترض وتطرح بدائل. ولم يمنع صوت من الحوار أو النقاش.. ومثل أي ممارسة ديمقراطية في العالم كان لابد من التصويت النهائي الذي جاء بالتعديلات الدستورية إلي حيز الوجود لينتهي بذلك دور البرلمان, ولتبدأ مرحلة جديدة يقول فيها الشعب كلمته فيما انتهي إليه ممثلوه في البرلمان.
لقد خرجت الأقلية من تحت قبة البرلمان لتمارس دورا ليس لها, ولم تأت بهم أصوات ناخبيهم إلي مقاعد السلطة التشريعية للقيام به. خرجت الأقلية في مهمة تحريض سافرة ومغلوطة لمطالبة الناخبين بأن يعترضوا علي ما أقره نوابهم الذين انتخبوهم. خرجوا للوقيعة بين الناخب ونائبه في البرلمان, وحاولوا تغييب الإنجاز الذي تحقق عن الوعي العام بصيحات غير مسئولة ورغبة في ممارسة ديكتاتورية تأتي هذه المرة من أقلية فشلت في أن تطرح رؤية بديلة تقنع بها زملاءها.
خرج بعض أعضاء البرلمان في مهمة تحريض علي السلبية واللامبالاة واستجداء العون من الشارع واستعراض مواقفهم ووجوههم أمام كاميرات التليفزيون والصحفيين, تملقا واصطناعا لبطولة زائفة اعتادوا القيام بها عبر وسائل الإعلام. فهل يري هؤلاء أن جبر خواطرهم يقتضي حث المصريين علي مقاطعة الاستفتاء, لأن الأغلبية ذهبت في اتجاه مخالف لهم؟ وهل جبر خواطرهم يعادل الانسحاب من تطور ديمقراطي سوف تنعكس آثاره علي مستقبل الحياة السياسية لأجيال مقبلة ؟ وهل يمكن التضحية بمصلحة وطن بأكمله إرضاء لقلة قالت كلمتها وعبرت عن آرائها بحرية كاملة؟ ثم ما الذي يريدونه بدعوتهم لمقاطعة الاستفتاء ؟.. إنه لاشيء غير التسلط وفرض الوصاية علينا نحن المصريين, لأنهم يعلمون أكثر مما نعلم, ولأنهم أكثر منا وعيا وفهما وإدراكا لمصالحنا. فنحن العامة وهم النخبة.. نحن مازلنا دون مستوي الوعي وهم الأوصياء الذين يمتلكون الرشد والعقل والنضج معا. إن هذا المسلك هو نفسه منطق المتسلطين منذ فجر التاريخ, فالناس لايعرفون كيف يحكمون أنفسهم ولابد لهم من أوصياء يأتون من صوامع الحكمة, ولا أدري أي ديمقراطية تلك التي يدعون إليها ويبشروننا بها؟
ويثور السؤال: ماهو الخطأ الديمقراطي الذي شاب الحوار والنقاش حول التعديلات الدستورية حتي يدعوا لمقاطعة الاستفتاء ؟ وما الذي ينتقص من مشروعية تلك التعديلات وقد تم التصويت عليها بحرية كاملة؟ وبأي حق يريدون سلب المصريين حقهم في ممارسة دورهم في بناء مستقبل بلادهم؟ إن مسلك تلك القلة الخارجة عن الممارسة الديمقراطية الصحيحة هو الذي يلحق الضرر بحياتنا السياسية, ونحن جميعا, مهما تكن انتماءاتنا السياسية, في حاجة ماسة إلي العمل معا من أجل توسيع فرص المشاركة, واختبار قدرتنا علي الاختيار بين بدائل عديدة تتيحها الديمقراطية. ونحن بحاجة ماسة أيضا إلي التخلص سريعا من بقايا مشاحنات الحوار, وقد احتكمنا إلي الشعب ليقول كلمته. وبسبب فرص الاختيار القليلة التي أتيحت لهذا الجيل من المصريين في حياته السياسية, فإنه بحاجة إلي من يشجعه ويدعم رغبته ويحثه علي ذلك, بدلا من محاولة إعادته إلي سلبية طال زمانها.
لقد جاءت الأحداث السياسية في العامين الماضيين لتدفع بالمشاركة السياسية خطوات إلي الأمام, ومازلنا بحاجة إلي المزيد منها. فلن تتحقق الديمقراطية في ظروف الصمت والسلبية. والمصريون وعوا الدرس جيدا خلال تلك الفترة, ولن يتنازلوا عن حق اكتسبوه, ولن تضيع منهم فرص متاحة, لأن يقولوا كلمتهم ويعبروا عن آرائهم, لكي يستعيدوا مكانتهم الأقوي في المعادلة السياسية في الأيام المقبلة.
إن قضية التعديلات الدستورية لم تعد اليوم خاضعة لوصاية أحد, بل أصبحت حقا أصيلا لجموع المصريين, يقولون بشأنها ما يريدون, ولعل المشاركة في الاستفتاء المقبل تكون ردا بليغا علي محاولات الوصاية وفرض رأي الأقلية علي الجميع.
osaraya@ahram.org.eg
