مقالات الأهرام اليومى

حديث الديمقراطية في عاصمة التشيك

لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش في عاصمة التشيك‏,‏ حيث عقد مؤتمر الأمن والديمقراطية مفاجأة لنا في مصر‏,‏ كما لم تكن مفاجأة أيضا لأي من الدول التي تعرض لها جورج بوش في خطابه أمام المؤتمر عن الديمقراطية‏.‏ فلقد عرف العالم السياسة الأمريكية خلال سنوات حكمه بأنها شديدة الاهتمام بقضية نشر الديمقراطية‏,‏ ليس لكونها شيئا مثاليا‏,‏ أو وسيلة لنشر الأمن في العالم‏,‏ وإنما باعتبارها ورقة ضغط قوية تتحقق بها الأحلام الإمبراطورية لليمين المحافظ في البيت الأبيض‏.‏

وكنا نظن مثل غيرنا أن النتائج التي جاءت بها السياسة الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضية كانت كافية لإثبات أخطاء تلك السياسة‏,‏ وكافية أيضا للتراجع عنها‏.‏ فالجهود الأمريكية لنشر الديمقراطية لم تفلح‏,‏ وما تحقق من تحول ديمقراطي في أي مكان من العالم كان نتاج إرادة وطنية لا علاقة لها بسياسة الأمريكيين الذين يعلمون ذلك قبل غيرهم‏,‏ أما ما فعلته أمريكا طوال هذه السنوات فهو أنها نشرت الفوضي في العالم وزرعت الخوف والتربص في العلاقات الدولية‏.‏

وورقة الديمقراطية مثل ورقة مكافحة الإرهاب في السياسة الأمريكية استخدمت للتوسع الإمبراطوري‏,‏ وألحقت العار بالمجتمع الدولي الصامت الخامل إزاء أمة بأسرها تسيل دماؤها وتستنزف مواردها بدعوي نشرالديمقراطية ومكافحة الإرهاب‏.‏ ومع كل هذه الأخطاء مازالت الخطب الرئاسية تركز علي أهمية نشر القيم الليبرالية‏,‏ ولاتكتمل عبارة دون الإشارة إلي الممارسات الانتخابية بدلا من اللجوء إلي الحلول الديمقراطية الواقعية القادرة علي نشر الأمن والسلام في العالم‏.‏
وحين أشار الرئيس الأمريكي في خطابه إلي مصر لم يجد سوي حالة أيمن نور لكي يلمز بها تجربتنا الديمقراطية التي بدأت وتطورت بإرادة وطنية لادخل لها بمساعي اليمين الأمريكي‏.‏ ولعل الرئيس بوش يعلم أو لايعلم‏-‏ فالفروق بين الحالتين لا أهمية لها‏-‏ أن الحالة التي تحدث عنها لا علاقة لها بالديمقراطية أو أساليب الحكم‏.‏ فهي حالة لاترتبط بقانون الطوارئ أو أوامر الاعتقال أو العدوان علي حقوق المواطنين‏.‏ وإنما هي باختصار واقعة جنائية عرضت أمام القضاء الذي اتخذ فيها حكما عبر مراحل التقاضي المتعارف عليها منذ سنوات طويلة‏.‏ والجانب السياسي فيها هو أن المتهم شخصية سياسية حوكم في قضية جنائية بحتة‏.‏ وليس هناك في أي دولة ديمقراطية ما يمنع محاكمة السياسيين إذا ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون‏.‏ فالعمل بالسياسة لايمنح أصحابه حصانة تمكنهم من مخالفة القوانين وارتكاب الجرائم‏.‏

وكان الأجدر بالرئيس بوش أن يعي ما أسفرت عنه دعوته إلي الديمقراطية في العراق وجهوده في مكافحة الإرهاب هناك‏,‏ ليقترب أكثر من الواقع الحقيقي والشروط التي ينبغي أن يتعامل بها وفق الظروف التي تواجهها السياسة الأمريكية علي أرض الواقع بدلا من الظروف التي تتمناها في خيالاتها‏.‏

إننا نعرف جيدا لماذا سمح الرئيس بوش لنفسه بأن يتدخل بشكل سافر في شئون الآخرين في خطابه أمام مؤتمر الديمقراطية والأمن‏,‏ فالرجل رفع شعارات نشر الديمقراطية علي مدي سنوات‏,‏ لكنها لم تحقق شيئا مما وعد به‏,‏ وكان في الوقت نفسه مطالبا أمام المؤتمر بالحديث عن تلك الشعارات ومن هنا وجد نفسه مدفوعا إلي الكلام عن تلك العقبات التي واجهته في مهمته الكبيرة‏,‏ ولم يجد بديلا عن خلط الأوراق لكي يداري سوءات مساعيه من أجل تلك المهمة‏.‏ غير أن الخطأ الأكبر يكمن فيما إذا كان يعتقد فيما يقوله في كلماته أمام المحافل الدولية‏,‏ أو أنه لايدرك حجم المأزق الذي تعانيه الولايات المتحدة ليس في العراق وحدها‏,‏ وإنما في كثير من أنحاء العالم حين أسهم دون أن يدري في تعميق الشعور بالغضب بين قطاعات واسعة من سكان العالم نحو الولايات المتحدة التي كان الجميع يرونها قوة داعمة للأمن والسلام والعدل في العالم‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى