النمو الاقتصادي.. والاستثمار الخارجي

وإذا نظرنا بعمق وبدون حساسيات لهذه القضية لوجدنا أنها قضية جماهيرية, لأن المستفيد من هذه الأموال هم المواطنون البسطاء.
وهناك سبب اقتصادي يشجعنا علي فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية هو قدراتنا المحدودة علي جذب المدخرات المحلية للاستثمار, والتي لا يمكن طبقا للتقديرات المتفائلة أن تزيد علي16% من الدخل القومي, وإذا استثمرناها بالكامل فلن يتعدي معدل النمو3%, أي أن فرص العمل التي سيتم توفيرها لن تتجاوز200 ألف فرصة بمعني أن البطالة سوف تزداد لأننا لا يمكن أن نعود إلي تشغيل العمالة كبطالة مقنعة في الأجهزة الحكومية, وسوف تزداد أيضا الفجوة بدون عمل حقيقي فإمكانياتنا محدودة, واحتياجاتنا الفعلية للاستثمار لن يسدها إلا الاستثمار الخارجي الذي يقدر بـ10 مليارات دولار.. وإذا استطعنا تحقيق ذلك فسوف نحافظ علي معدل النمو الذي نخطط له وهو7%, وسوف تزيد فرص العمل إلي750 ألف فرصة سنويا, إلا إذا كنا نريد العودة إلي دوامة الاقتراض, ورهن الاقتصاد الوطني للمديونية.
ومن هذا المنطلق فإن كل المصريين علي اختلاف توجهاتهم يجب أن يزداد لديهم الوعي والرغبة في جذب المستثمرين الأجانب وليس الخوف منهم ولأن عصر العولمة والاقتصاد المفتوح يفرض علينا ألا ندير ظهورنا لما يحدث حولنا فإن الحكومة يجب أن تقدم للمستثمرين الأجانب فرصا متزايدة للاستثمار, وأن نشاركها في السعي إلي الأسواق العالمية حتي نطرح أمام المستثمرين في كل مكان إمكانياتنا وقدراتنا الاستثمارية, خاصة أن اقتصاد مصر القوي ونظم وضوابط الاستثمار تسمح لنا برقابة كل ماهو علي أرضنا.
ولكل المبهورين بالتجربة الماليزية نقول إنها فتحت الباب الواسع للاستثمار الأجنبي بدون رقابة أو حتي ضوابط ويكفي أن نشير هنا إلي أن نصيب مصر من الاستثمارات الاجنبية مازال محدودا بالمقارنة بجيرانها فإسرائيل مثلا حصلت في العام الماضي علي14 مليار دولار استثمارات أجنبية, بل إن بعض دول المنطقة كالإمارات ـ تحتل بعض مدنها كدبي في مركزا متقدما في جذب الأموال العربية والأجنبية.
إن فتح الاستثمار للأجانب لا يخيف. بل يدعم الاقتصاد, ويعلي معدلات النمو, فالذي اشتري أرضا للاستثمار ب17 مليار جنيه سوف يصرف في مصر50 مليارا بحكم أن قيمة الأرض تمثل25% من المشروع, فشجعوا المستثمرين ليأتوا إلي مصر حتي نفتح بيوت المصريين.
ولندرك أن الشركة أو المؤسسة التي بدأت أجنبية من الممكن أن تصبح مصرية بخبرات متميزة ومتطورة, بل إنها ستكون قادرة بالنسبة للجانب الآخر للاستثمار المصري في الخارج.. والتجربة ماثلة أمامنا في حقل شركات الاتصالات التي بدأت أجنبية ثم عاد واشتراها المصريون, وبدأوا في الاستثمار في المنطقة العربية والإفريقية, بل واشتروا شركات للاتصالات في إيطاليا, ويدخلون المناقصات الكبري في عالم المحمول ويرفعون هامة المستثمر والشركات المصرية في مجال جديد لم يدخلوه من قبل, ولكنهم تعلموه من الأجانب ثم أصبحوا منافسين لهم.
حقا إنها قضية مهمة تستحق منا كثيرا من الاهتمام والتشجيع, مثلما يجب أن نشجع كل الاستثمارات كثيفة العمالة من أجل خريجينا وأجيالنا الحالية والمقبلة.
