حتي لاننزلق في حفلة لقتل الآباء!

في دراسة قيمة تنشرها الأهرام اليوم بقلم الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي بعنوان ذكري حافظ وشوقي.. حفلة لقتل الآباء محاولة جادة لتصحيح فكر الهزيمة وأتباعها, فقد أفرز مناخ الهزيمة كتابات ظهرت للوجود منذ أربعة عقود ولاتزال تلقي بظلالها علينا, علي الرغم من أننا تجاوزنا عصر الهزيمة ونعيش اليوم ذكريات حرب رمضان ـ أكتوبر73 المجيدة, بكل ما تعنيه من مجد وفخار واعتزاز بما حققنا وبمن حقق لنا تلك الانتصارات.
فتحت هزيمة يونيو67 شهية الكثيرين من حولنا للانقضاض علي دور مصر وعطاء المصريين في مجالات الثقافة العربية المختلفة وعلومها, ومنذ ذلك التاريخ والحديث لا يتوقف عن نقد الدور المصري والتلويح بأنه قد بلغ نهايته, وأن راية الثقافة العربية قد غادرت بلاد النيل إلي غيرها من عواصم النفط أو الثورة والفكر القومي, وقد وجدت تلك الدعوات المزعومة شيئا من الدعم بأموال النفط لتتطاول علي طه حسين تتهمه بالكفر حينا والعمالة حينا آخر, وتري في البارودي مقلدا, وأحمد شوقي تابعا, وحافظ متكلفا, ولم تقف تلك الدعاوي عند الشعراء, بل امتدت لرموز الفكر والرواية والفن والصحافة. كان تجريد مصر من رموزها الكبري هدفا لهؤلاء, وهم لا يعرفون أن الثقافة العربية بغير عطاء مصر والمصريين لا تغدو أكثر من صحراء ثقافية تضاف إلي الصحراوات التي تملأ إقليمنا الجغرافي.
هكذا يأخذنا شاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي في رحلة رمضانية, عسي أن نصحح فيها أخطاءنا ونضع عقولنا علي طريق صحيح يتناسب مع ما حققنا من نصر في رمضان ـ أكتوبر عام1973, ولانعيش في ظلال ماضي الهزيمة التي تجاوزناها.
ولقد تذكرت هذه الكلمات وقارنتها مع ما نعيشه الآن, في محاولة من جانب البعض سياسيين وصحفيين لإشاعة تهميش الدور المصري أو تغييبه, في حين أن مصر هي صاحبة الدور الأعلي لحماية مجتمعها وشعبها, والسعي لتخليص المنطقة التي تعيش فيها من الاضطراب والحروب, ويسعي دورها السياسي لترشيد القوة الكبري ولتصحيح مساراتها, وفي الوقت نفسه تتعاون مع أشقائها بصناعة السلام في محيطها وتواجه الحروب بروح العصر وحكمته, كما أنها بالروح نفسها تواجه الإرهاب والتطرف والتعصب.
وإذا تحدثنا عن الأزمة الأخيرة التي انزلق إليها بعض الصحفيين والكتاب فنجد أنهم استخدموا الحرية في الاعتداء علي حريات الآخرين وعلي حقوقهم, وجعلوا الصحافة والفكر بوقا لزرع اليأس في نفوس الناس والشباب, بدلا من الأخذ بأيديهم ومساعدتهم في التحول نحو واقع جديد.
ومن هنا ينبغي علينا أن نصحح مفهوم الحرية فننقيه من روح التشهير والقذف وممارسة الابتزاز بكل أشكاله السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية وحتي الدينية, وأن ندرك أن حرية الصحافة لم يحدث عليها أي اعتداء وأنها مازالت بخير برغم محاولة البعض تشويهها ومحاولة البعض الآخر الحصول علي حقها عن طريق التقاضي, والغريب أن هؤلاء يأخذون من بعض أحكام المحاكم نصف الحكم فقط الذي يقضي بالحبس, فيشيعون أن صحفيين يحبسون في مصر وهذا غير صحيح فهؤلاء ينسون الكفالة بل وينسون أن القضاء في مصر أمان بأحكامه وبقدرته بل وبتعدد درجاته.
إن علينا أن نصحح أوضاعنا ونؤمن بأننا قادرون علي دخول عصر النهضة والتحديث, وألا نجعل من مجتمعاتنا ساحة للحروب والفوضي أو ساحة للهجاء وتجريح الذات, وألا نقع فريسة لأوهام البعض الذين يحاولون أن يبنوا حلمهم وأدوارهم عبر الانغماس ـ كما يقول حجازي ـ في حفلة لقتل آبائهم ومجتمعاتهم وشعوبهم ورموزهم..!
osaraya@ahram.org.eg
