مقالات الأهرام اليومى

شهـــداء‏..‏ وضحـــايا

انشغلنا في تصنيف أبنائنا الراحلين في مغامرة الهجرة غير الشرعية عبر مراكب الصيد هل هم شهداء أم طماعون ؟ وأراهم شهداء وضحايا للنصابين المجرمين الذين استدرجوهم‏,‏ ودفعوا بهم إلي المجهول ليواجهوا مصيرا لايستحقونه‏,‏ إنه الموت غرقا علي شواطئ غريبة‏.‏ بعد رحلة مشئومة‏,‏ مكدسين في مركب صيد لايمكن أن يصل بهم إلي مايريدون إلا بعد أن يذوقوا الأهوال‏.‏ وحتي إذا وصلوا إلي الشواطئ آمنين ـ وتلك نسبة ضئيلة لاتتجاوز‏25%‏ دائما من كل رحلات الهجرة غير الشرعية عبر هذا الأسلوب المحفوف بالمخاطر ـ فإنهم لن يستطيعوا تحقيق آمالهم في الهجرة‏,‏ حيث يواجهون مخاطر شديدة‏.‏ فأوروبا اليوم غير الأمس‏.‏ وأسواق العمل والحياة لم تعد متاحة‏,‏ خاصة للعرب بكل فئاتهم‏.‏

يجب أن نكون محددين‏..‏ فالشباب المصري الذي يهاجر يبحث عن وظيفة أو عمل أو يحلم ويداعب خياله العالم الأوروبي المفتوح وحياة جديدة متخيلة‏.‏ يحلم بالثروة التي تنتظره مثل الآخرين من أقرانه بحكم التقليد‏.‏ فهم يتصورون ـ تحت إغواء النصابين ومافيا التهجير‏,‏ الذين يسعون للحصول علي مدخرات هؤلاء الشباب البسيطة ـ أنهم سيحققون الأحلام‏,‏ ويعودون إلي بلادهم وقد أصبحوا في مكانة اجتماعية جديدة مثلهم مثل آخرين سبقوهم في هذا المضمار وفي ظروف مختلفة‏.‏

وجريمة الإغواء ليست جديدة علي بلادنا‏.‏ فهناك تجربة سابقة شهدتها مصر وهي توظيف الأموال‏.‏ حيث خطط مجموعة من المغامرين بعقلية إجرامية شريرة للاستيلاء علي مدخرات ضحاياهم تحت وهم الثراء السريع والعائد بلا عمل‏.‏ وعادة مايخطط هذا المجرم لأسلوب وبيئة اختيار الضحية المناسبة‏.‏ فمجرمو توظيف الأموال نصبوا شباكهم للأسر في المدينة وأحيائها‏.‏ومافيا تهجير أبنائنا إلي الخارج أو لشواطئ أوروبا نصبوا شباكهم لأبناء الريف الذين يبحثون عن عمل وتستهويهم المغامرة‏.‏

إن من يهاجر ليس بالضرورة يائسا من بلاده كما يتصور البعض‏.‏ ولكن الأحلام قد تستولي علي خياله ولا يجد من يرشده ويفتح أمامه الأبواب لمغامرات صحيحة أو محسوبة في بلده‏.‏ فكل شاب مصري دفع بضعة آلاف من الجنيهات لكي يسافر للخارج‏,‏ هو بالقطع ليس معدما أو لم يجد فرصة عمل في بلاده البكر التي تبحث عن شباب يغامر علي أرضها يكون صانعا للأعمال فيخلق لنفسه ولإخوانه ولبلده فرصا متزايدة للعمل والإنتاج‏,‏ ليشارك في تطوير مصر ونموها‏.‏

وأمامنا الفرصة الجديدة لأن تتحرك المؤسسات التمويلية‏,‏ وفي مقدمتها الصندوق الاجتماعي والبنوك المصرية والشركات ورجال الأعمال لكي يقدموا لهؤلاء الشباب فرصا حقيقية وثمينة ليستثمروا أموالهم ويستفيدوا من شبابهم وحبهم للمغامرة ولا يتركوهم نهبا للنصابين أو مافيا التهجير لتكون هذه المرة محسوبة وفي مكانها‏.‏

إن أمامنا قائمة كبيرة من المشروعات الصغيرة أو المشروعات المجمعة‏,‏ حيث تجتمع مجموعة من هؤلاء الشباب للعمل معا تحت رعاية مؤسسة اقتصادية أو مالية بدلا من ضياع الأموال لدي النصابين في توظيف الأموال أو مافيا التهجير غير الشرعي‏,‏ لكي تصب مجهود وجهود الشباب وأموالهم في رعاية التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي‏.‏

وتحتاج فرص التغيير والتطور الاقتصادي‏,‏ خاصة بالنسبة للشباب‏,‏ إلي منظمين للأعمال‏.‏ فمنظمو الأعمال الجدد يجب أن يكونوا تحت رقابة الحكومة ومؤسسات التمويل الحديثة‏,‏ لكي يحافظوا علي مدخرات الشباب ويقوموا بتشغيلهم في مجالات ذات جدوي اقتصادية حتي لا يقعوا ضحية للنصابين والمغامرين‏.‏

إنها مهمة قصوي وأولوية تستحق أن تعطيها الحكومة اهتمامها لمواجهة تلك الظواهر الخطيرة التي تسيء إلي تجربتنا في التنمية‏,‏ وتدفع شبابنا إلي مغامرة هجرة الموت‏.‏ كما نحتاج إلي تشريعات جديدة تواجه هؤلاء المجرمين الجدد الذين يقع شبابنا في حبائلهم‏.‏ فهم ليسوا نصابين فقط بل قتلة جدد مع سبق الإصرار والترصد لشبابنا ولمجتمعنا كله‏.‏

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى