مقالات الأهرام اليومى

أنابوليس‏..‏ الفرص والمخاطر‏!‏

ليست بالقطع مصادفة تاريخية أن تدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة باجتماع أنابوليس بولاية ميريلاند غدا بعد‏30‏ عاما من المبادرة المصرية للسلام التي فتحت الباب لحل سلمي للصراع العربي ـ الإسرائيلي و‏60‏ عاما من قرار تقسيم فلسطين‏.‏

ويأتي الاجتماع بشكله الراهن ووضعه الجديد نتيجة للمبادرة الأمريكية التي انطلقت في يونيو الماضي‏,‏ والسياسة المصرية الدءوبة لتهيئة المسرح الإقليمي والعربي والدولي‏,‏ واللقاءات والمباحثات الحثيثة والمكثفة مع كل الأطراف للإعداد الجيد له‏..‏ وقد شكلت القمم المتعاقبة التي عقدها الرئيس حسني مبارك مع كل الأطراف الأمريكية والأوروبية والعربية والفلسطينية وآخرها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت شكلت في مجملها رسالة متكاملة نجحت في خلق فرصة جديدة للسلام تمثلت في جعل المؤتمر الجديد نقطة لإعادة إطلاق المفاوضات بين الطرفين‏(‏ الإسرائيلي والفلسطيني‏)‏ بعد تجميدها لمدة‏7‏ سنوات‏.‏

وهذه المفاوضات لن تبدأ من فراغ أو من نقطة بداية جديدة‏,‏ ولكنها سوف تستند إلي المرجعيات التي حكمتها منذ بداية الصراع وقرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن أرقام‏242‏ و‏338‏ و‏1396‏ التي تحدد خطوط الإنسحاب‏..‏ وقيام الدولة الفلسطينية علي الأراضي المحتلة في‏5‏ يونيو‏1967‏ وعاصمتها القدس‏..‏ والأرض مقابل السلام‏..‏ وما انتهت إليه أيضا مباحثات أوسلو ومدريد وكامب ديفيد‏(2)‏ وطابا‏,‏ وتمتد المباحثات لتشمل الأراضي المحتلة في الجولان ولبنان كهدف نهائي للسلام وربطهما بالمبادرة العربية التي صدرت في قمة بيروت وأكدتها قمة الرياض الأخيرة وتم النص علي ذلك في خطابات الدعوة للمؤتمر الجديد بمشاركة المجتمع الدولي الذي يتعين عليه وضع بصماته وتوجهاته علي المرحلة الجديدة‏.‏

والحقيقة أن مشاركة كل هذه الأطراف تمثل عنصرا ضاغطا قويا علي الطرف المحتل والضامن له إسرائيل وأمريكا مع وجود سقف زمني لتلك المفاوضات حددته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بـ‏14‏ شهرا وحدده الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن بـ‏8‏ شهور‏,‏ وأراده إيهود أولمرت بلا سقف ثم عاد وقال قبل انتهاء ولاية بوش‏..‏ أما إيهود باراك شريكه في الائتلاف الحاكم فقد طالب بعدم إعطاء تنازلات للفلسطينيين إلا بعد استكمال بناء القبة الحديدية أو مايعرف بنظام دفاعي مضاد للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدي حتي لا تستهدف صواريخ القسام المناطق الحيوية في إسرائيل‏.‏

إن هذا المؤتمر يدخله الإسرائيليون وهم مختلفون ومهددون بإنهيار الائتلاف الحاكم وعودة نتانياهو والليكود من جديد‏..‏

أما الرئيس الأمريكي جورج بوش فيدخله وليس أمامه أي شيء آخر إلا النجاح الذي لم يستطع تحقيقه في الشرق الأوسط علي الإطلاق خاصة بعد تورطه في العراق وضعفه في أفغانستان وعدم قدرته علي المواجهة مع إيران‏.‏

ويدخله الفلسطينيون وهم منقسمون بين الضفة وغزة‏.‏ وتشير الاستطلاعات داخل الطرفين إلي وجود تحالف ضمني قوي بين اليمين الإسرائيلي المتمثل في الليكود‏,‏ واليمين الفلسطيني المتمثل في حماس‏,‏ لإسقاط اجتماع أنابوليس وإفشاله لفتح المجال أمام فوضي واضطرابات جديدة تعزز مكانة الصقور في الطرفين‏.‏

ويدخله العرب وهم متفقون لأول مرة حول السلام الشامل المستدام‏,‏ والذي لا يمكن أن يتحقق بدون حل عادل لقضية فلسطين وانسحاب كامل من الأراضي المحتلة وعودة القدس‏.‏

وتدخله مصر‏,‏ وهي مخلصة للسلام الشامل منذ‏30‏ عاما مع كل الأطراف بقول وفعل الحقيقة وبنظرتها بعيدة المدي التي تطمح إلي بناء منطقة مستقرة قابلة للازدهار والتقدم الاقتصادي والسياسي بما يحقق حياة أفضل لشعوبها‏.‏

وقد أصبح الأمر في يد القوة الكبري وشريكتها إسرائيل في فتح الباب للسلام الحقيقي وعدم استخدام قضايا تحرر الشعوب واستقرارها ومكافحة الإرهاب والتطرف كذرائع جديدة لبقاء حالة الوتر المشدود في انتظار معادلات صراع أخري إقليمية في هذه المنطقة المضطربة‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى