العقلاء حتما قادمون

إلي الإسرائيليين والفلسطينيين. إلي المتفاوضين.. وإلي الرافضين. إلي المؤيدين والمساندين.. إلي العرب والمسلمين.. وإلي اليهود في كل مكان وليس في أرض فلسطين أو الشرق الأوسط فقط. وإلي القوي المساندة لهم محليا وإقليميا وعالميا.
عندما ارتضت الأطراف أن تجلس إلي مائدة المفاوضات لم يكن هذا قرار فريق ضد آخر من نفس فصيلته, بل كان اعترافا بأن الفريقين, بل المتصارعين علي أرض فلسطين, قد اعترفا بالواقع, ألا وهو عدم قدرة أي منهما علي التخلص من الآخر. وأن الحروب علي كثرتها لم تحقق لهما هدفا, ولن تكون طريقا للاستقرار للشعبين.. سواء للعرب الفلسطينيين أو المستوطنين اليهود القادمين من كل أنحاء الأرض, والمنضمين لسكان فلسطين من اليهود.
والاعتراف يعني عدم القدرة.. فلقد اختبر الفريقان المتصارعان كل الوسائل للصراع وللمقاومة بكل أشكالها.. من حروب شاملة ومؤقتة.. وصراعات محدودة ومنفلتة.. تنوعت وتعددت.. وظهر فيها الكثير من الإبداع لدي الطرفين في القتل والتدمير بكل أشكالهما وعنفهما, ورفض الآخر وضرب عرض الحائط بحقوقه ومستقبله. وبقي لهما أن يجربا شكلا آخر بحثا عن الحياه بديلا عن الموت ونفي الآخر.
وقد فشلا فشلا ذريعا لإثبات أن القوة أو المنعة أو الأسلحة أو حتي الضعف والاستكانة هي السياسة التي تستقيم علي أرض فلسطين التاريخية.. ففي البداية استقوي العرب بأغلبيتهم ورفضوا إسرائيل بضعفها, واستمرأت إسرائيل الضعف وسلحت نفسها بكل الأسلحة حتي النووية منها, وجعلت كل القوي الكبري في عالمها تابعا لها, ووصل الأمر إلي أن القوة الكبري الحالية( أمريكا) صارت هي الأكثر تبعية لإسرائيل في تاريخها.
وانقلب الأمر وأصبحت إسرائيل هي الأقوي والفلسطينيون هم الأضعف.
ولم تحقق إسرائيل هدفها أو تبتلع حقوق الفلسطينيين, بل ظهر للطرف الأقوي أن الضعف قوة عندما يسانده الحق والعدل معا, وأن العالم كله غير قادر علي هضم حقوق الفلسطينيين في أراضيهم, بل حقهم في إقامة دولة وحقهم في تقرير المصير, وأن يكونوا مثل كل الشعوب يتمتعون بالحرية والاستقرار بعد طول معاناة.. فهي القضية الوحيده في عالمنا الباقية من الحرب العالمية بلا حل.
وأصبحت قضية فلسطين وشعبها هي الشغل الشاغل لعالم اليوم. وسوف تظل بدون حلها منبعا للإرهاب والتطرف في عالمنا ومصدر تهديد لاستقرار العالم واستقرار الشرق الأوسط الذي أصبح مخزنا للبترول والتطرف.
لقد خرجت الشعوب الحرة في العالم كله تطالب بإنصاف الفلسطينيين وإعادة حقوقهم, ليس بحثا عن العدل وحده, بل لاستقرار النظام الاقتصادي العالمي, وتلبية احتياجات الأسواق للطاقة. وأصبح ضعف الفلسطينيين هو سر قوتهم الجديدة, واعترفت أمريكا ـ حليف إسرائيل القوي وسر قوتها بأن حق الفلسطينيين في دولتهم هدف قومي أمريكي.
وما تحقق للقضية الفلسطينية في ظل السلام والتفاوض هو أكبر نصر في تاريخها, فقد أصبحت قضية شعب يبحث عن حق ودولة, ولم تعد قضية لاجئين يبحثون عن الإغاثة, أو الإطعام.
فعندما نرفض التفاوض نعود للشتات وتصبح القضية بحثا عن الإغاثة أو تصبح قضية متطرفين أو إرهابيين, ويجب أن نعي ذلك, وأن تعيه الفصائل المقاومة كما تعيها الفصائل المتفاوضة.
إن التفاوض ليس تنازلا عن فصيل أوبيعا للقضية كما يصوره الرافضون, وهو ليس منة من أحد, فهو الطريق الوحيد لاستخلاص الحقوق وإقامة الدولة, فقد اعترفنا بفشل الحروب بل ومحدودية المقاومة وضعفها.
أما الطرف الأقوي سواء كان أمريكيا أو إسرائيليا وخلفه المجتمع الدولي, فهو الأعلم بفشل القوة في قضم الحقوق وابتلاعها للفلسطينيين, حتي بلغ حد السخرية من الأقدار أن أحد الحاخامات لم ير في كل أسلحة بلاده من تقليدية سواء كانت دبابات أو طائرات, ومن أسلحة دمار شامل حلا, فاستخدم الدعاء إلي الله ـ علي اعتبار أنه صاحب حق ـ فابتهل لخالقه بأن يبتلع العرب والفلسطينيين, وأن يستيقظ من منامه فلا يجدهم أحياء!.
* وهكذا ترون معنا أن الحروب بكل أشكالها وألوانها, بل والدعاء في المساجد والكنائس والمعابد.. هو الآخر ليس حلا, ولم يعد أمامنا جميعا إلا حل العقلاء.. وهو التفاوض.. وعدم تأخير الحل.. ليتم اليوم ولا ينتظر الغد أو بعد غد.. ولا نكون مثل المتشائمين أو المتفائلين, بل نعترف بالواقع ونري في التفاوض ضرورة.. ونري في السلام حتمية.. وأن رفض التفاوض اليوم لا يعني إلغاءه بل تأخيره, وفتح الباب للصراع واستنزاف الموارد للطرفين ولشركائهم المحليين والعالميين.. وتأخير الحل للشعبين العربي والإسرائيلي وللمنطقة التي نعيش فيها.
* ونري في المواقف المصرية ومبادرة السلام العربية اعترافا تاريخيا بحل إقليمي عادل لصراع الشرق الأوسط, وفتحا للباب لاسترداد حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم, ولإسرائيل وأمريكا والمجتمع الدولي.. الاستقرار والتنمية والخروج من أزمات الإرهاب والتطرف والتخلص من الأزمات العالمية المستحكمة.
فهل ينتصر حل العقلاء في شرم الشيخ اليوم وغدا في العقبة والقدس كما بدأ في واشنطن منذ أيام؟ أم يتأخر الحل لغياب العقلاء اليوم انتظارا لجولات أخري في المستقبل.. فالعقلاء حتما قادمون؟
Osaraya@ahram.org.eg
