رؤية أبوالغيط وحرب أكتوبر ورد علي أوين مسارات مصر الحديثة

في الوقت الذي تتجه فيه اهتمامات المصريين لمتابعة أبرز الأحداث التي تقيس مساراتهم, وقدراتهم علي التطور, ومواجهة الصعاب, تشتت أذهاننا الأحداث اليومية, لدرجة قد ننسي معها مساراتنا الرئيسية.
حادث قطاري العياط بأحزانه المؤلمة, وضحايا الطرق البرية التي تتزايد.. هل يفقدنا صوابنا فنتجاهل ما يحدث في قطاع النقل من تطور؟ فمنذ سنوات نعمل علي تحديث وسائل وطرق وشبكات السكك الحديدية الجديدة ونستكمل تطوير وبناء مترو الأنفاق للعاصمة المكدسة بالسكان.. بعد أن تأخرنا كثيرا.. وحاصرتنا المشاكل.. فالأحداث ستأتي وتمر, ونحن يجب أن نستمر, ونقوم باستكمال الرؤية المصرية لتحديث شبكات الطرق, وتحويلها إلي طرق حرة بحارات أربع تتناسب مع العصر.. فعندما كنا نتابع ما يحدث في العالم من الاهتمام بالطرق وتوسيعها, وبالأنفاق والكباري العلوية للمشاة, كنا نتساءل متي نري في مصر ما يحدث في العالم؟
وعندما بدأنا تحقيق هذه الرؤية, ووجدنا أمراضنا وسلوكياتنا القديمة تحاصرنا, والمخاوف تقتلنا, كان يجب علينا أن نهزم كل ذلك, ونستمر في مساراتنا, وما خططنا له, وسوف يؤتي ثماره إن لم يكن اليوم.. فغدا.. ولن نخاف من المستقبل, فنحن نتحرك في الاتجاه الأصوب.
ولن يهزمنا حادث هنا أو هناك, حتي لو لومنا أنفسنا, وطالبنا بالتصحيح, فتلك شيم أو قيم الشعوب والمجتمعات الحية.
أجلنا أمس احتفالاتنا بحرب أكتوبر مع القوات المسلحة احتراما لأرواح شهداء القطار.. ولكننا نحتفل اليوم, فالحياة مستمرة, ويجب ألا تتوقف.. واليوم في الأهرام يستكمل أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصري بقلم بديع ما بدأه يوم6 أكتوبر, يوم حرب مصر في73 لاسترداد الأرض والكرامة, وقد كتب عما عاشه يوم الحرب, خلال عمله مع محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي مع الرئيس السادات, فأعاد تذكير المصريين بيومهم العظيم.
واليوم يكتب عن المعركة السياسية المصرية بعد توقف الحرب.. وكلا المعركتين تكمل كل منهما الأخري, فعسكريا تحقق الهدف المصري علي أرض المعركة.. أما سياسيا, فالمعركة المصرية مستمرة حتي الآن لإعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة, وهو ما حققته مصر يوم الحرب ويوم السلام.. وما استمرت في تحقيقه عبر الاحتفاظ بالقضية الفلسطينية حية ومتجددة, ومحاصرة إسرائيل, واليمين المتطرف في كل مكان, عقب انطلاق ما عرف بالحرب علي الإرهاب, وتداعيات11 سبتمبر2001 علي العرب المسلمين.
إنها حرب كبري في كل المجالات.. لاتغيب عنها بالقطع, إعادة بناء مصر اقتصاديا, والحفاظ علي تماسك وقوة الوطن, داخليا.
وأخيرا.. وليس آخرا جاءت معركة الحرية, وبناء مؤسسات الوطن السياسية بالتغييرات في الدستور المصري في عام2005, والتي أجريت علي أساسها الانتخابات الرئاسية والتشريعية, وقد فتحت أبواب الحرية في كل ربوع الوطن.
ولن تؤثر فيها بالقطع أي تأثيرات ضارة أو أي إثارة سلبية للحرية, تطفو علي السطح هنا وهناك, ولن تنسي المصريين معركتهم الحقيقية مع التطور والنمو, سياسيا, واقتصاديا, واجتماعيا, فهم مستمرون فيها إلي الأمام.
وستذهب أغلبية الشعب إلي مؤتمر الحزب الوطني, في نهاية هذا الأسبوع, لمتابعة تنفيذ برنامج الرئيس مبارك الانتخابي, الذي نفذ في4 سنوات أكثر من80% منه, ولاستكمال عملية النمو والتحديث, ولن تؤثر فينا دعاوي من يريدون إسقاط الدستور أو إشعال الفتنة بين المصريين, بإعادة إنتاج أفكار وأسئلة قديمة, وصلت بهم إلي حد التشكيك في حرب أكتوبر. مثل سؤال: هل أثرت الثغرة في عبور القناة وتحطيم خط بارليف, كما قال أخيرا وزير بريطاني سابق هو ديفيد أوين, وقد استضافته مؤسسة هيكل في شهر النصر.. شهر أكتوبر.. ليشكك الأمة في النصر الغالي, وهي التي استردت الأرض والكرامة بعد هزيمة1967 القاسية التي لم تكن مصر أو جيشها يستحقانها أبدا بل تحملها القادة.. واعترفوا بمسئوليتهم عنها…
وبعد سنوات جد قليلة غسل المصريون عارها بدمائهم الزكية, وهم الآن في معاركهم اليومية من أجل التنمية, ولن ينزلقوا إلي الرد في ادعاءات من يحولون النصر إلي هزيمة, فهي ادعاءات ساذجة, وسطحية, ودعائية, وعارية من أي مفهوم مثلها مثل الأحداث المتكررة يوميا, المستفيدة من مناخ الحرية وتعمل علي تسميمه أمام المصريين, ليخرجوا منه برؤية تعتقد أنه من الأفضل لهم أن يعيدوا الماضي أو تكميم الأفواه مرة أخري.. وهذا لن يحدث في مصر.
**
ما قاله اللورد أوين, الذي يذكرنا باللورد كرومر وعصره المنتهي.. لم يقله الإسرائيليون أنفسهم الذين اعترفوا بهزيمتهم أمام المصريين.. والأهم أن الحقائق تقول ذلك.. ولسنا في حلبة للرد عليه.. ونعتقد أن دراسة أحمد أبوالغيط ـ وزير الخارجية ـ التي تنشرها الأهرام اليوم قد أعطت هذا الموضوع كامل الرد, دون أن يذكر أوين أو أمثاله.. فقد جاء في شهر النصر للتشكيك في الانتصار عسكريا.. ونري الآن حولنا من يحاولون التشكيك فيما نحققه من تطور سياسي وديمقراطي ليحولوه إلي فوضي وضجيج.. ليثبتوا أننا ضعفاء, ولكن يجب علينا الآن هزيمتهم في هذا المجال أيضا.. وأعتقد أننا سائرون.. ومؤتمر الحزب الوطني السنوي القادم سوف يثبت لهم ذلك.. وعليهم أن يبحثوا عن أوين جديد ليكرروا فشلهم!!
***
والدرس الذي يجب أن نتعلمه ويزيدنا قوة, ويعيدنا بكفاءة واقتدار إلي مسار الأحداث الحقيقية هو أن الحرية باقية, وأنها قادرة علي تصحيح مساراتها, وعلي تأكيد الحقائق بالسير في المسارات السليمة. فالشعوب الحية تجدد نفسها, وتتطور وتعيد ملاحقة العصر.
ونحن نستعد لمؤتمر الحزب الوطني القادم.. يملؤنا الكثير من الثقة في المستقبل, فالنمو الاقتصادي في مصر مستمر, رغم الأزمة الاقتصادية العالمية, والحياة السياسية تتجدد, ومساحات الحرية تتسع بشكل إيجابي, وتتقلص المخاوف من تأثيراتها الضارة.
***
ويشعر المصريون اليوم, أكثر من أي فترة أخري في تاريخهم الطويل الممتد, بثقة.. ويملؤهم تحد لاستكمال مساراتهم بقدرة لا مثيل لها.
فلا خوف من المستقبل.. ولن يملك أحد أن يهز ثقة المصريين في صحة مساراتهم, مهما تكن قدرته علي الشوشرة أو استغلال الحرية وضجيجها.
إن أجيالنا الحالية أفضل.. وتملك القدرة علي الفرز بين الغث والثمين, حتي ولو استهدفته بعض الأطراف باللعب علي الغرائز, فهي سرعان ما تعيد الفرز, وتنتصر الحقائق والسعي إلي جودة الحياة, وهزيمة الفوضي وضجيجها..
أقولها ببساطة لكل أصحاب الصوت العالي.. المصريون قادرون وقادمون.. بل هم يستطيعون, وهم الآن يستكملون نصرهم في1973 بعد استكمال استرداد الأرض بإعادة بناء الوطن في كل المجالات.
Osaraya@ahram.org.eg
