مقالات الأهرام اليومى

الحقيقة كما عبر عنها المصريون

الناجحون من السياسيين لايملكون عصا سحرية يغيرون بها الواقع‏,‏ ولكنهم يملكون رؤي وأفكارا تستطيع حفز الجميع ومساعدتهم علي التغيير‏.‏ ونحن في مصر نعايش منذ سنوات عددا من الأفكار التي يمكن بالمشاركة الحقيقية أن تغير واقع الحياة في بلادنا‏.‏

ففي الاجتماع السادس للمجلس الأعلي للسياسات بالحزب الوطني هذا الأسبوع‏,‏ كان المشهد يوحي بأن الأفكار الجديدة بدأت تؤتي ثمارها‏,‏ وتعد بالكثير من التغيير نحو الأفضل‏,‏ فلقد اجتمع المجلس لمناقشة نتائج الاستطلاع الذي قام به الحزب علي عينة من نحو‏2400‏ أسرة مصرية‏.‏ وتوافرت للاستطلاع كل الأسباب العلمية التي ترقي بنتائجه إلي الحقيقة‏,‏ كما قالها المصريون الذين تم استطلاع آرائهم في قائمة من القضايا المهمة لدي كل المصريين‏.‏

ولم يكن هذا الاستطلاع هو الأول الذي يجريه الحزب الوطني‏,‏ وإنما هو السادس‏,‏ حيث يتم إجراؤه بشكل دوري منذ عام‏2003,‏ فيما عدا عام الانتخابات‏2005.‏ غير أن أبرز ما جاء به هذا الاستطلاع‏,‏ في ضوء المناقشات التي جرت والاهتمام بنتائجه‏,‏ أنه رسخ لدينا أهمية هذا الأسلوب في التعرف علي اهتمامات المستهدفين ببرامج الإصلاح المختلفة‏,‏ وأكد نجاح السياسات التي ترتكز علي معطيات الواقع المعيش‏,‏ وهذه الآلية الجديدة التي جاءت بها أمانة السياسات للحياة السياسية المصرية تفتح آفاقا واسعة أمام فرص التغيير المتاحة نحو الأفضل في جميع المجالات‏.‏

لقد بدأت الاستطلاعات السياسية في العالم المتقدم منذ ما يزيد علي مائة وخمسين عاما‏,‏ بهدف التنبؤ بنتائج الانتخابات‏.‏ وبرغم تنوع أهداف الاستطلاعات فإن معظمها مازال يدور في فلك التوقعات الخاصة بالمرشحين في الانتخابات‏.‏ أما الاستطلاعات التي يجريها الحزب الوطني‏,‏ فإنها تتخذ مسارا أهم كثيرا من قضية التنبؤ بنتائج الانتخابات‏,‏ فهي تستحدث آلية غير مسبوقة في قنوات الاتصال السياسي بمصر‏..‏ آلية لاتنتمي لفكر متسلط يري الشعوب قاصرة وغير واعية بمصالحها‏,‏ وأن الحكام وحدهم هم القادرون علي ذلك‏..‏ وهذا هو الفكر الذي ساد التاريخ السياسي المصري‏.‏

إن الآلية الجديدة تعيد تنظيم قنوات الاتصال السياسي في مصر‏,‏ فتفتح قنوات للاتصال من أسفل إلي أعلي‏,‏ وهي قنوات لم تكن فاعلة أو قائمة في تاريخنا السياسي‏,‏ وهذا التحرك غير المسبوق يفتح آفاقا واسعة أمام الحراك الديمقراطي في مصر ويوحي بتغيرات هائلة في رؤية حزب الأغلبية للعمل السياسي حاضرا ومستقبلا‏.‏

وهناك الكثير من النتائج التي جاء بها الاستطلاع الأخير للحزب الوطني‏,‏ الذي كان حريصا علي عرضها بأمانة وشفافية‏.‏ وتشير مجمل هذه النتائج إلي أزمة حقيقية في علاقة وسائل الإعلام‏,‏ بالواقع المصري المعيش‏.‏ فقد جاءت مخالفة إلي حد ما للواقع الذي دأبت بعض وسائل الإعلام‏,‏ خاصة الصحف الحزبية والمستقلة والفضائيات المحلية والعربية‏,‏ علي تصويره‏.‏

فالواقع الفعلي يقول إن هناك تحسنا نسبيا في معيشة المواطنين مقارنة بالعام الماضي‏,‏ وإن المواطنين المصريين أكثر تفاؤلا بالأوضاع الاقتصادية‏..‏

وهذا التحسن الفعلي‏,‏ المستمد من استطلاع آراء‏2400‏ أسرة مصرية ممثلة للمجتمع المصري‏,‏ لاتعكسه تقارير وكتابات وحوارات هذه الصحف وتلك الفضائيات‏.‏ فالمواطن المصري يقول إن هناك تحسنا ملحوظا في خدمات الصحة ومياه الشرب والصرف الصحي وتوافر الخبز المدعوم‏,‏ بينما تلك الوسائل الإعلامية تقول شيئا آخر حين تري في انقطاع المياه عن قرية مشكلة قومية‏,‏ أو تري في خطأ ارتكبه مستشفي مؤشرا عاما لواقع الخدمات الصحية‏.‏ وتري في طابور خبز طال بسبب تلكؤ في إنتاج مخبز مجاعة تستدعي بها المشكلة حين ظهرت لأسباب غير واقعية‏,‏ وتنسي اختفاء آلاف من طوابير الخبز وقت الأزمة‏.‏

وقال المصريون إن التليفزيون المصري الحكومي والخاص هو مصدرهم الأساسي للمعلومات في مواجهة طوفان الفضائيات الأخري ومع ذلك مازالت تلك الوسائل تنعي علينا إعلامنا وتراجعه‏.‏

وأظهر الاستطلاع قائمة بالمشكلات التي يراها المواطن المصري مهمة وهي في مجملها مخالفة لقائمة المشكلات التي صدعت تلك الوسائل رؤوسنا بها في الصباح والمساء‏.‏ فالثقة بالحكومة أعلي كثيرا مما يكتب لنا ويذاع علينا‏,‏ الثقة في المستقبل تتزايد‏,‏ والحرية تتسع‏..‏ إنها قضايا كثيرة خالف فيها المصريون كثيرا من وسائل الإعلام التي بدت في ضوء نتائج هذا الاستطلاع أبعد كثيرا عن الواقع الذي يعيشه جموع المصريين‏.‏ وهذه حقيقة تستند إلي منهجية علمية لاسبيل للتشكيك فيها‏.‏

ولم تكن كل نتائج الاستطلاع إيجابية‏,‏ ولكن بعض نتائجه أظهرت مؤشرات علي مشكلات تتطلب التدخل السريع‏,‏ ومنها انخفاض الوعي بالأزمة الاقتصادية العالمية بكل ما لها من تأثيرات علي برامج التنمية لدينا‏,‏ وكذلك مشكلات التعليم والدروس الخصوصية والبطالة‏.‏ وتؤكد النتائج العامة للاستطلاع سلامة مهنية الإعلام المصري الوطني الذي اختار الانحياز إلي التيار الرئيسي السائد في المجتمع دون انحياز لتلك التيارات التي يفرزها التيار السائد عن يمينه ويساره‏.‏

وتفرض مهنية الإعلام‏,‏ تقديم صورة أعم من مجرد الوقوف أمام بعض الظواهر المحدودة أو الأحداث الفردية وتعميمها‏,‏ وبهذه المهنية يمكن أن يكون الواقع الذي تقدمه وسائل الإعلام أقرب إلي الواقع الذي يعيشه المواطن المصري كما كشف الاستطلاع‏.‏

وتبقي كلمة أخيرة هي أن المنهجية العلمية‏,‏ التي اتسم بها الاستطلاع تتطلب منهجية عقلانية رشيدة في قراءة نتائجه وتدبر مغزاها‏.‏ فهذه النتائج‏,‏ التي أعلنتها أمانة السياسات‏,‏ أصبحت متاحة للجميع وهي أقرب إلي حقائق كامنة في أعماق المصريين تحرك مشاعرهم واتجاهاتهم وتصرفاتهم‏,‏ ولابد أن تؤخذ بالجدية اللازمة في تشخيص الواقع والبحث عن حلول أو تحسينات فيه‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى