مقالات الأهرام اليومى

خفض الفائدة وزيادة الإنفاق نحو ترويض للأزمة العالمية محليا

يجب أن تحتل قضايانا الاقتصادية الأولوية الأولي في المرحلة المقبلة‏,‏ بعد أن استغرقتنا القضية الفلسطينية والحرب علي غزة‏,‏ وقدمت السياسة المصرية دورا بارزا علي كل المستويات في الحفاظ علي بلادنا‏,‏ بل وإقليمنا كله‏,‏ حتي لا ينزلق إلي صراعات تهدد استقراره وتستنزف موارده الاقتصادية والمالية في صراعات لا جدوي منها‏.‏ وفي وقت يواجه العالم فيه أكبر أزمة مالية واقتصادية لاشبيه لها في تاريخه المعاصر حتي الآن يمكن القياس عليه‏,‏ حدث تطور اقتصادي أمس يجب الإشادة به حين قام البنك المركزي المصري بخفض تكلفة النقود بنسبة‏1%‏ وهو قرار يجب أن يثمن اقتصاديا‏,‏ لأن خفض عائد الإيداع ليصبح‏10.5%‏ وعائد الإقراض ليصل إلي‏12.5%‏ سيكون له تأثير جوهري علي حركة السيولة في الاقتصاد المصري بما يعكسه علي السوق ككل للحفاظ علي الرواج وتنشيط حركة الاستثمارات وتأسيس المشروعات الجديدة‏,‏ بل وزيادة الإنفاق والحفاظ علي العمالة والحد من شبح البطالة الذي يخيم علي الاقتصاد المصري في ظل الأزمة العالمية‏.‏

……………………………………………………………………………..‏

وفي الوقت نفسه جاء القرار عادلا ليحافظ علي قيمة العملة المصرية‏,‏ ويعطي لأصحابها حقوقهم في ظل توازن دقيق ورشيد بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة‏,‏ فالهدف الآن هو الحفاظ علي المشروعات وزيادة نسبة السيولة والحركة الاقتصادية الصحية‏..‏ فعندما تكون تكلفة النقود مرتفعة يؤدي ذلك إلي الركود والخوف من النزول للأسواق في وقت الأزمة واشتدادها‏.‏

إن المرحلة المقبلة تتطلب زيادة الإنفاق العام‏,‏ وفي الوقت نفسه زيادة الإنفاق الخاص فبكليهما تنتعش الأسواق ويستمر النمو ويمكن اجتياز الأزمة المالية والاقتصادية بأقل الخسائر الممكنة وبنسبة تسمح لنا بالاحتفاظ بالعمالة الراهنة‏,‏ وعدم الاستغناء عنها والاحتفاظ بنسبة نمو لا تجعل الركود يتحول إلي كساد مخيف طارد للحركة ومعوق لاجتياز الأزمة‏.‏

ويجب أن نذكر هنا أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب تكاتف القوي الاقتصادية المختلفة وتعاونها من أجل اتخاذ الطريق الصحيح للخروج من الأزمة بكل تداعياتها‏.‏ وفي هذا الصدد يجب الإشارة بكثير من الاحترام والتقدير للسياسات المالية التي اتبعتها مصر في السنوات الماضية‏,‏ والتي قادها البنك المركزي المصري للإصلاح المصرفي ومواجهة أزمتي التضخم الكبير والتعثر المالي‏,‏ فقد لجأ البنك إلي رفع سعر الفائدة أكثر من مرة في العام الماضي لمواجهة الضغوط التضخمية علي خلفية زيادة أسعار الغذاء العالمية وتأثيرها الفادح علي المواطن المصري البسيط بما أمكن معه اجتياز أزمة عالمية حادة في أسعار الغذاء بأقل تكلفة ممكنة علي المواطن البسيط‏.‏ كذلك حافظ البنك علي سعر صرف مستقر للجنيه المصري وتكلفة معقولة للنقود بشقيها العائد والإقراض حتي لا ننزلق للتضخم المحلي بكل أبعاده المخيفة علي الداخل‏.‏

كما واجهنا أكبر أزمة تعثر مالي سواء للمصارف المصرية أو للشركات العامة‏,‏ استمر من منتصف التسعينيات وحتي السنوات الأولي من الألفية الجديدة وتم تجاوز النسبة الأكبر للتعثر بالسداد وجدولة ما تبقي‏.‏ بل والأكثر من ذلك إننا استفدنا من الأزمتين في تقوية الجهاز المصرفي وزيادة مناعته عبر زيادة رأسماله ودمج المصارف الصغيرة وتقوية كياناتها وظهور مصارف عالمية جديدة في مصر‏,‏ بحيث أصبحت مصر قادرة علي مواجهة أزمة مالية عالمية ذات أبعاد متغيرة ومتناقضة‏,‏ لم تكشف بعد عن هويتها أو عمقها وتطوراتها المتلاحقة‏,‏ ولكنها أعلنت وهي في طور نشأتها أنها مخيفة وليست قصيرة المدي وإنها متلاحقة ومتتابعة وفي مجالات متعددة‏.‏

واليوم نستطيع أن نقول إن الحكومة أظهرت جدية علي تحدي الأزمة العالمية عبر سياسات تتسم بالسرعة المتلاحقة عبر زيادة الإنفاق العام بمقدار‏15‏ مليار جنيه في مجالات عديدة وهو الاعتماد الإضافي الذي تقرر زيادته إلي‏30‏ مليار جنيه لتقوية القطاعات الاقتصادية التي تضررت من الأزمة العالمية‏.‏

و في اعتقادي أن كل الحزم المالية التي أعلن عنها سنحتاج إلي زيادتها‏,‏ فقد وصلنا عبر السنوات الثلاث الماضية إلي معدل نمو معقول يبلغ‏7%‏ وهدفنا أن نقترب منه وأن نخفف من الآثار السلبية للأزمة العالمية علي اقتصادنا المحلي وعلي معدلات نمونا الاقتصادي‏.‏

والفرصة مواتية إذا تكاتف الجميع معا الحكومة ورجال الأعمال والمنتجون ومعهم المستهلكون‏,‏ بل كل المؤسسات الاقتصادية والمالية‏..‏ واقتصادنا قادر بأوضاعه الحالية علي وضع الأزمة العالمية محليا في أضيق نطاق للتأثير علي المواطن وعلي المؤسسات وعلي أوضاع العمالة ونسب النمو‏,‏ بل والاستفادة منها‏,‏ إذا أحسن الجميع التصرف‏.‏ ولكن الكرة الآن في ملعب رجال الأعمال والمنتجين بصفة عامة بمن فيهم الشركات العامة والحكومية‏..‏ فعليهم إبداء مرونة تتناسب مع أوضاع السوق بخفض حاسم في أسعار السلع والخدمات‏,‏ بل زيادة استثماراتهم والاندفاع المحسوب للسوق للمشاركة الجدية في تلجيم الأزمة العالمية بل وترويضها محليا والتخلص من كل تداعياتها وآثارها السلبية‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى