مقالات الأهرام اليومى

الحق في الحياة ومشروع مكافحة الفقر

لايمكن لمصر في معركة التنمية أن تمشي وتجري وتطير في آن واحد‏.‏ هناك العشرات من القضايا التي لايمكن مواجهتها إلا في إطار ترتيب زمني‏,‏ واحدة تلو الأخري‏,‏ حين ييسر الحل في قضية الحلول في قضايا أخري‏.‏ الجهود المتكاملة التي يبذلها الحزب الوطني وحكومته في مكافحة الفقر لاتعني أن تلك القضية كانت غائبة عن الأجندة السياسية للحزب والحكومة‏.‏ كان تعظيم قدرات الاقتصاد المصري ضرورة لمواجهة أعباء مكافحة الفقر‏.‏ فبدون التطورات الإيجابية في قدرات الاقتصاد المصري لم يكن بوسعنا الحديث عن برامج مطاردة الفقر في ريف الصعيد والدلتا وكثير من المناطق العشوائية في المراكز الحضرية وليس لدينا من الموارد ما نكافح به هذا الفقر‏.‏

في الوقت الذي كان برنامج مكافحة الفقر يشهد زيارات ميدانية للقري الأكثر فقرا من قيادات الحزب الوطني وعلي رأسهم أمين لجنة السياسات السيد جمال مبارك الذي أصبح يتحمل أمام الرأي العام مسئولية هذا البرنامج العلمي الجاد‏,‏ كان الرئيس مبارك يتخذ قرارا يتعلق بفئة من المجتمع لقيت مشكلاتها شيئا من النسيان‏,‏ حين أصدر الرئيس قراره بإعفاء صغار المزارعين من نصف ديونهم المستحقة لبنك التنمية والإئتمان الزراعي‏,‏ فإن هذا القرار يزيل من طريق صغار المزارعين شبح الفقر وأعباء مواجهة سبل المعيشة‏.‏ قرار كلف ميزانية الدولة نحو‏500‏ مليون جنيه‏,‏ ولكنه منح العون لنحو‏60.000‏ أسرة مصرية تعيش في الريف المصري‏,‏ حيث يوجد‏60%‏ من فقراء مصر‏.‏ بل إن قرار الرئيس كان واضحا بألا تمس بأي صورة مخصصات دعم القطاع الزراعي ومشروعاته ومزارعيه بسبب إعفاء مديونيات صغار المزارعين‏.‏

حين بدأ الحزب والحكومة التحرك في تلك القضية التزاما بوضع حد لتلك المشكلة‏,‏ فإن آمالا كثيرة أصبحت معلقة علي تلك الجهود لعدة أسباب‏:‏

أولا‏:‏ أن الحزب الوطني وحكومته قد وضعا مكافحة الفقر ضمن أولويات العمل خلال الفترة المقبلة‏.‏ وهو أمر له مغزاه في ضوء فلسفة عمل الحزب الجديدة التي تعتمد علي بناء الثقة مع المواطنين‏,‏ والتي تفرض التزاما حزبيا بإنجاز ما هو مطروح من برامجه‏,‏ ولن يكون مقبولا أن تخفق جهود الحزب الأكبر في مصر في مواجهة تلك المشكلة المزمنة‏.‏

ثانيا‏:‏ واقعية التقديرات الحزبية والحكومية لحجم مشكلة الفقر في مصر‏.‏ هذه الواقعية في التقدير توفر في النهاية تشخيصا دقيقا لحجم المشكلة‏,‏ وعلاجا ناجعا لها‏.‏ هذا التقدير اعتمد علي اساليب علمية لم نعتدها كثيرا في تعاملنا السياسي مع كثير من مشكلاتنا‏.‏

ثالثا‏:‏ أن أساليب تشخيص مشكلة الفقر التي اتسمت بمنهجية علمية امتدت إلي تطوير برامج المواجهة المتكاملة والواقعية والشاملة‏.‏ فلم يسبق أن اتخذت جهود مكافحة الفقر في بلادنا مثل هذا التكامل ولم تتسم بالواقعية التي نراها الآن‏.‏ فالاعتراف بالمشكلة وتقدير حجمها وتحديد جغرافيتها كان ضرورة لبرامج عمل وآليات تنفيذ مرتبطة بواقع المشكلة وقادرة علي مواجهتها‏.‏

نحن أمام منهج جديد غير مسبوق في مواجهة الفقر في التشخيص وفي العلاج‏.‏ تم اختيار ألف قرية يسكنها نحو أربعة ملايين من الفقراء‏.‏ هذا الاختيار لم يكن عشوائيا ولم يتم بتدخلات ممثليهم في البرلمان‏.‏ تم الاختيار بناء علي دراسة علمية شاركت فيها مؤسسات دولية وصولا إلي الفقراء المستهدفين بالبرنامج في مرحلته الأولي‏.‏ بدأ التنفيذ التجريبي لآليات عمل البرنامج في‏49‏ قرية لاختبار قدرة البرنامج علي المواجهة واكتشاف العوائق ودراسة الواقع الاجتماعي‏.‏ منهجية علمية قل أن توجد في كثير مما نعمل‏.‏فحين نواجه الفقر فنحن نمنح الفقراء الحق في الحياة الكريمة وهو هدف لابد أن نعمل جميعا من أجله وأن نشد علي كل يد تطرد شبح الفقر عن كل بيت في مصر‏.‏

osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى