2020مقالات الأهرام اليومى

البحراوى.. وعلم معرفة المحيط الإقليمى!

الأثنين 25 من جمادي الأولى 1441 هــ
العدد 48622
أنهى على عجل، واحد منا، حياته، ورحل، وكان قبل الرحيل بأيام، يوجه زملاءه، إلى النافذة الثقافية، والفكرية، الجديدة، التى فتحها أمامنا، قبل غيابه، نحن الجمهور، سواء كنا مثقفين، أو عامة، لكى نعرف، ونحلل، وندرك، مواقع أقدامنا، فى أهم صراع، أو تحدٍ عسكري، وسياسي، واقتصادي، وفكري، وثقافي، نواجهه، فى شرقنا العربي، أو الأوسط، وأقصد، هنا، الدكتور إبراهيم البحراوي، 76 عاما، الأستاذ الجامعي، الذى كان، وحده، مؤسسة كاملة، ثقافية، ومعرفية، تبحث داخل إسرائيل، وبين الإسرائيليين، عن الآخر، الذى نواجهه، فالإسرائيليون يشكلون واقعا، وتحديا، أمام العرب جميعا، سواء كان يجمعنا سلام، أو حرب، فهم القادمون من أوروبا، وأمريكا، وروسيا، وكل أنحاء العالم، وتجمعوا فى الشرق العربي، فى فلسطين المحتلة، وأقاموا دولة جديدة، عبرية الثقافة، واللغة، ولهم أطماع، ورغبات السيطرة الإقليمية، ولا يخفون رغبة التوسع فى بلادنا، وهم من واجهناهم فى حروب قاسية، على الرغم من أنه مال إلى التفاوض والسلام، بعد الحروب المتتالية، فإنه مازال قائما ومستمرا، لأن العدل لم يتحقق بعد، ومازال الشعب الفلسطيني، العربي، بلا وطن، ولاجئين، ويعانون مرارة العيش، وأن الصراع، على الرغم من جوانبه العسكرية، سيظل صراعا فكريا، ومعرفيا، وثقافيا. هذا ما أدركه الراحل الدكتور البحراوي، منذ أكثر من 4 عقود، وراح يخلق، وحده، ومع آخرين، تيارات فكرية، وعدت بتغيير الواقع العربى إلى الأفضل، بعيدا عن التحزب، أو التعصب، أو الأيديولوجية، ولكن التصاقا بالعلم، وأساليب مجدية للمواجهة، التى يجب أن تكون نافعة، وتؤدى إلى النصر، وعودة الحقوق لأصحابها، وهو ما نجح فيه، إلى حد كبير، الدكتور البحراوي، كّون مدرسة فكرية، رائدة، فى الدراسات الإسرائيلية، ليس فيما تركه من أبحاث، وكتب، ومقالات، ومؤلفات، فى الشئون الإسرائيلية فقط، ولكن، أيضا، فيما تركه من مدرسة، مؤثرة، فى طريقة العمل، وباحثين، وطلاب، أدركوا أهمية هذا المسار، ومن تعاون مثمر، شكل فيه الدكتور البحراوى ما نستطيع أن نسميه (Inter pioneer) أو (Catalyst)، فوحد بين المراكز، التى تعمل فى هذا المسار، وأمدها بعلمه، وفنونه المبتكرة، فى المعرفة، والبحث، والتقصي، لكى يتطور هذا العلم، ويتحول إلى معرفة، لندرك طبيعة الصراع، والحرب، والسلام، مع إسرائيل. ولذلك فسنظل مدينين لمثل الدكتور البحراوي، فى علمه، وإدراكه لماهية دور المثقف، منذ أن ترك مؤلفات، تكشف خبايا النفس الإسرائيلية، عندما كان جزءا من المشاركة فى التحقيقات مع الأسري، كمترجم، (1967-1973)، مما شكل ضوءا باهرا أمام العقل العربي، والمصري، لنعرف، بدقة، كيف يفكرون، وعندما سلط الأضواء على الأدب الصهيوني، والتمييز بينه وبين اليهودي، واستمر يبحر بلا توقف، وبعمق، فى هذا المجال، لا يُعلِّم الباحثين والطلاب فقط، بل ينشر أفكاره، ويبسطها للناس عامة، لإدراكه أهمية، وحيوية الصراع العربي- الإسرائيلي، المتداخل، فى كل مجالات حياتنا، اليوم، ولمستقبلنا المقبل، حتى أبحر فى إستراتيجية إسرائيل 2028، يشرح للعقل العام، كيف يكون رأيه اليوم، وغدا.

لقد ترك الدكتور البحراوى لنا مؤلفات سوف يقف أمامها الكثيرون، لأننا سنظل فى حاجة إليها، كل يوم، لنعرف مواقع أقدامنا، فى هذا الصراع، ولكننا نعتقد أن المراكز البحثية، والدراسات المستقبلية، والباحثين، فى هذا المجال، سيواصلون ما بدأه الدكتور البحراوي، ولذلك يستحق الدكتور إبراهيم البحراوي، منا، كل التحية والتقدير، فقد كان علمه، وأبحاثه، تخدم كل مصري، بل كل عربي، فى صراع حياة أو موت. فيجب أن نرعى المركز البحثي، أو غرفة الدراسات الإسرائيلية، التى أنشأها، قبل رحيله، بفترة وجيزة، لتستمر منارة هذا العلم الحيوي، والمصيري، لمستقبلنا، ولإدارة صراعاتنا السياسية، والفكرية، ومعرفة جيراننا فى الإقليم. ولننظر حولنا، لنرى أننا مازلنا غائبين عن معرفة جيراننا، سواء كانوا الأتراك، أو الإيرانيين، أو الإسرائيليين، أو الأفارقة، خاصة إثيوبيا، فمعظم المتاعب السياسية، والحروب الإقليمية، جاءت من هذه البلاد، فالصراعات، والاضطرابات، بل الحروب، والسلام، معها، لا تدار بغير معرفة دقيقة، وتفصيلية، فظهور العثمانية الجديدة، فى تركيا مثلا، فى العصر الراهن، شكّل تحديا لكثير من البلدان العربية، فقد وجدنا الأتراك يمارسون العدوانية، وإعادة الاستعمار، سواء فى ليبيا، أو سوريا، أو العراق، واليوم وصل الأمر إلى التدخل العسكري، والهيمنة، والتدخل فى الشأن الداخلى العربي، يفوق، فى مجالات عديدة، ما تفعله القوى الكبري، سواء أمريكا، أو أوروبا، أو روسيا، أو الصين، بل إننا وجدنا إيران، المعاصرة، فى عهد ولاية الفقيه، فى العقود الأربعة الأخيرة، تركز جهودها لإعادة احتلال الدول العربية، والتدخل فيها، سواء فى فلسطين، بإعاقة التفاوض، أو فى لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، بإثارة الاضطرابات، والنعرات الطائفية.

ولعلي، هنا، أشير إلى أحد المراكز، التى انتشرت، أخيرا، لدراسة ما يحدث فى تركيا، وما يحدث فى إيران، لتحليل السياسات الإيرانية، (أفايب)، والذى كان له تأثيره على الإعلام، والمتخصصين، فى كشف خبايا، عديدة، فى القرار الإيراني، ومحللا تفصيلات الشئون الإيرانية، أمام الرأى العام، ويقدم لنا تحليلات لتفاعلات إيران، وتركيا، سواء فى بيئتها الداخلية، أو الخارجية، خاصة مناحى العلاقات العربية- الإيرانية، للمتخصصين، والعامة، وحقائق المسائل الإيرانية المتشابكة، فى كل المجالات الاجتماعية، والسياسية، والرياضية، وغيرها، وأعتقد أن مثل هذه المراكز سوف يُنّمى الوعى السياسي، ويسبر أغوار كل دول الجوار، وتحديدا إيران، وتركيا، وإسرائيل، وإثيوبيا، مما يخلق لنا مؤسسات فكرية، وبحثية، مستمرة، ومتتابعة، لا تتأثر بفقدان المؤسسين، أو رحيلهم، ولكن هذا لا يمنعنا من تحية روح الدكتور البحراوي، الذى كان أحد هؤلاء المؤسسين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى