2019مقالات الأهرام اليومى

من يكتب الفصل الأخير من حكم الملالى؟

الأثنين 5 من ذي القعدة 1440 هــ
العدد 48426
أزمات وحرب الشرق الأوسط لم تنتهِ بعد!, نحن الآن نعيش على وقع الأزمة الإيرانية، بجوانبها المتعددة، وصداماتها الحادة التى لم تكشف بعد عن نهايتها. وقف العالم على حافة الحرب الساخنة فى20 يونيو الماضى، عندما ألغى الرئيس الأمريكى ضربة عسكرية على إيران، ردا على إسقاطها إحدى طائراته العسكرية المسيرة.. وهى الحرب التى كانت ستكون لها تبعاتها الخطيرة، لا قبل للمنطقة بها، فليس المهم إسقاط نظام فى إيران أو تغييره، لكن حالة الحريق الكبيرة التى كانت ستعقب تلك الحرب ستشمل كل بلدان الشرق الأوسط، والممرات البحرية والنفطية فى تلك المنطقة الحيوية للعالم، وكانت ستؤثر على كل القوى فى كل القارات، لأن إيران لها تأثيراتها فى الشرق الأوسط (العربى والآسيوى).. كما أن تكلفة الحرب، وخسائرها الطائلة، كانت ستعجز الولايات المتحدة، بل النظام الدولى ككل عن دفعها أو احتوائها.. وستكون تأثيراتها على الشرق العربى وأوروبا مفتوحة، وعلى انتشار التهريب والمخدرات كبيرة، أما على الصين، وعلى روسيا فغير محدودة كذلك.

لكن العقل تحكم أخيرا، وألغى قرار الحرب، ولا يمكن أن يكون أحد فى الشرق العربى، حتى من المتضررين من السياسات الإيرانية فى الشرق العربى، كان سيكون محرضا أو ساعيا لهذه الحرب المخيفة، لأن الكل سيتضرر منها، وسيكون الثمن فادحا، ولا قبل لأوضاعنا الاقتصادية الراهنة بدفع تكلفة تلك الحرب الفادحة..

ومع ذلك يبدو لنا أن النظام فى إيران مازال يدفع فى اتجاه تلك المواجهة غير المتكافئة، وهو لا قبل له بتحملها، فهناك من يرى حتمية الصدام مع النظام الموروث من الخومينية، لأنه من الأنظمة الفاشية المصحوبة بالدين، فهى أنظمة ثيوقراطية تسعى إلى حتفها، وإلى فتح الصراعات والحروب، ولا تتوقف عن إشعال الفتن وتصدير الثورات إلا بسقوطها. فهل يملك هذا النظام الذى يقترب من نصف قرن على قيامه إعادة صياغة سياساته، وحكمه، والتحلى بروح جديدة، ووقف عدوانيته، ليتجنب الانهيار الاقتصادى الذى يشمل الأراضى الإيرانية من جراء العقوبات الاقتصادية؟ وسوف تتزايد على هذا النظام فى السنوات القادمة، إذا لم يغير مساره، ويتجه إلى عمل تسويات مع أمريكا، ومع جيرانه العرب، خاصة الخليجيين.

لقد استطاع النظام الدينى فى إيران فى السنوات الماضية من حكمه تنظيم صفوفه الداخلية، وخلق أوضاع سياسية، مستفيدا من الحروب التى أشعلتها أمريكا فى أفغانستان والعراق وسوريا، عقب أحداث سبتمبر 2001 وسيطر على أكثر من بلد عربى، كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، وهدد البحرين، ومعظم دول الخليج.. وأعطى انطباعا للأمريكيين، فى صراعهم مع المتشددين والمتطرفين، كالقاعدة والدواعش من العرب السنة، بأنهم فى حاجة إلى دعم الشيعة الإيرانيين، وبالفعل قدمت إيران خدمات عسكرية لأمريكا فى أفغانستان وفى العراق، كما استفادت فى تشجيع المقاومة، سواء كانت سنية أو شيعية فى إخافة الولايات المتحدة، وجعل حروب أمريكا الخارجية مكلفة وباهظة الثمن، عسكريا واقتصاديا، وتعامل مع القاعدة والدواعش فى تحقيق هذا الهدف.. لكن السياسة الإيرانية الراهنة تتجه إلى إشعال الشرق الأوسط بحروب جديدة ومتنوعة، وفتن لا تتوقف، ويبدو أن الإيرانيين عاجزون عن إدارة علاقاتهم بالاتفاق النووى مع كل الأطراف التى سبق أن اتفقوا معها، وأنهم عاجزون كذلك فى الوصول إلى اتفاق جديد، وأنهم يراهنون على الانتخابات الأمريكية القادمة، وسقوط ترامب.. فقد استطاعوا إدارة علاقاتهم الأمريكية عبر أربعة عقود مع 7 رؤساء أمريكيين، قبلوا بسياساتهم العدوانية مقابل خدمات أخرى، غير معلنة فى صراعات الشرق الأوسط، ولكن الصورة تغيرت الآن، وإيران تحتاج إلى إعادة قراءة الصورة من جديد قبل الانهيار الكامل داخليا. ويبدو لنا، نحن الذين عشنا زمن إيران الملالى، سنشهد كتابة الفصل الأخير، فهل يكون بأيدى الأمريكيين، بشكل مباشر عبر الحروب الساخنة، أم بأيدى الإيرانيين بالداخل عبر تغيير النظام، والبدء فى حلحلة الأمور، والسياسات الداخلية والتعامل مع العالم الخارجى بسياسة جديدة مختلفة، تتسم بالتغيير، وعدم التدخل فى شئون الغير، واحترام الشعوب ومستقبلها..؟

الكل يعانى فى هذه المنطقة السياسات الإيرانية العدوانية، والإيرانيون أكثر الذين يعانون، ويبدو أن الكل فى حاجة إلى مساعدة للخروج من هذه الحالة. مسارات التوتر مازالت متصاعدة، وكل السيناريوهات مفتوحة، وكلها عرضة للخطر! كذلك الوضع الإيرانى الداخلى أصبح لا يمكن احتماله للإيرانى العادى الذى يدفع ثمنا غاليا من جراء العقوبات القاسية، وعدم القدرة على تصدير النفط والبتروكيماويات، ومعاقبة الشركات التى تعمل مع إيران، وتأثير ذلك على حياة الشعب ومستقبله.رغم كل ذلك، فأكاد أرى أن الإيرانيين سوف يبادرون بالتهدئة مع جيرانهم العرب، ليبدأوا بالانسحاب من سوريا واليمن عبر حوار مباشر، وأكاد أرى حديثا فى لبنان والعراق للعودة عن طموحات حزب الله فى احتلال القرار اللبنانى، ودمج الحشد الشعبى فى الجيش العراقى، ووقف تداخلاتهما فى السياسة الداخلية للبنان والعراق، وأكاد أرى أن الصينيين والروس، رغم مخاوفهم من إيران، سيلعبون دورا فى إغلاق الصندوق الإيرانى المخيف, صندوق باندورا, الذى يؤثر على الجميع، ويفتح الصراعات، ويهدد الممرات البحرية والنفطية فى الخليج العربى. فكل الاقتصاديات العالمية التى وجدت بعض الحلول الجزئية فى اجتماعات اليابان الأخيرة، ستكون من مصلحتها استمرارية تلك السياسات، وتجنيب العالم والشرق الأوسط، وغرب آسيا أى حروب جديدة، ولكن الأهم، والذى أكاد أراه أن الشعب الإيرانى سيكون أذكى من الجميع، وسوف يقوم بتلجيم ما بقى من طموحات الملالى، والخامنئى، ووضعها فى الإطار الذى يسمح بإعادة الاقتصاد الإيراني، ليكون داعما لأهله ومنطقته والعالم.. إنها طموحات صعبة، لكنني، فى الحقيقة، أراها ماثلة أمام عينى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى