وائل الدحدوح..!

الأربعاء 17 من ربيع الثاني 1445 هــ
العدد 50003
هززتنا جدا زميلى العزيز وائل الدحدوح، وسالت دموعنا، بل قمنا نصلى، ونبكى معك.. إعلامى، وإنسان كبير فقد أسرته، وأحباءه، وأمسك، وأصر على مهنته، أو رسالته.. كان ضميره أقوى من دماء أهله، ودمائه، فأى إصرار عجيب لهذا الفلسطينى المعاصر؟!.. إنه يعرف أنه لا يؤدى عملا فقط، بل يكتب تاريخ مهنة الإعلام من جديد، ليس بالكلمة، أو الصوت، وإنما بالدم، فهل مثل هذا الإنسان ممكن أن يُهزم؟..وهل من الممكن أن تسرق أرضه إسرائيل ويترك دماء أهله؟.. وهل تستطيع أن ترهبه، وتخيفه، وتهجره، وتسرق بلاده إسرائيل؟!.. الإجابة: هيهات، فالغزاوى، والفلسطينى المعاصر يكتب تاريخا جديدا لبلاده.. ولأمته قصة فريدة.. مراسل التليفزيون يبكى حفيده، ويبكى ابنه، ويبكى زوجته، ويصلى ودموعه تسبقه.. عندما يمسك الميكروفون، وينقل الأحداث فإنه أمام الحقيقة.. أمام آلاف الفلسطينيين الذين يسقطون.. أمام الأطفال الذين يفقدون الحياة، والأسر، بل يبكون الأم قبل الوطن، فهل تدرك إسرائيل ذلك؟!
وائل الدحدوح قصة فلسطينية تمشى على الأرض ولن تضيع، وهناك أكثر من ٣٥ صحفيا وصحفية سقطوا فى المعركة الأخيرة ولن تسقط قضيتهم.. كانوا ينقلون للعالم وحشية عدوان الاحتلال الإسرائيلى، واستئساده على المدنيين، والأطفال، والنساء، فهل يدرك الاحتلال ذلك؟.. لقد هززتنا يا زميلى العزيز عندما خرجت علينا مباشرة بعد صلاة الجنازة على الأحباء وأمسكت الميكروفون لتواصل عملك فى كشف المعتدين، وإظهار الحقيقة، فأى قوة، وأى براعة تتمتع بهما أيها الشعب الفلسطينى البطل، والفذ؟!
لحظات تاريخية، واستثنائية يعيشها زميلنا وائل الدحدوح، وكل فلسطينى، وكل عربى فى ساحة العدوان، حيث لا مكان آمنا فى غزة، وكأنما العدوان يريد أن يقول لصاحب الصوت القوى، لصدقه، وإيمانه، انخفض، أو انزوِ، ولكن قلب زميلنا العامر كان آمنا، مستأمنا بنصر الله، ورد عليهم بدفن أسرته صباحًا وإمساكه الميكروفون فى اليوم نفسه ليفضح الاحتلال، ويعريه، وهذا هو الانتصار الحقيقى.
رحم الله شهداء غزة، وكل فلسطين، وشد أزر الناجين الذين يتحركون فى الظلام الدامس، وسط دوى المدافع، وأزيز الطائرات، ودون ماء، أو طعام، أو وقود، أو كهرباء.. دون كل أسباب الحياة.
