مقالات الأهرام العربى

مخاوف ونيران بين الشرق والغرب!

تمر منطقتنا بمنعطف خطير، ففى خضم حالة الحرب الشاملة التى تعيشها البلاد العربية بالداخل، لمحاصرة أكبر موجة فى تاريخها، للأصولية الدينية المتسلحة بأيديولوجية استخدام سلاح الإرهاب، للتسلط على السلطة فى أكثر من قطر عربى، نرى حالة الارتباك فى القوى العظمى، والسيولة المتناهية التى تجعل التنافس بين القوى العالمية، لفرض النفوذ، والخروج من الأزمات الاقتصادية العاتية، كل ذلك يجعل هذه القوى لا تتورع عن الضرب بعرض الحائط كل القيم التى حاولت أن تنشرها فى ربوع العالم فى سنوات ما بعد سقوط حائط برلين، وانتهاء الاتحاد السوفيتي، ولعلنا فى البداية. ونرى المحاولات المصرية الجادة لإنقاذ بلادنا، ودول المنطقة من التشرذم، وسقوط الدول دولة وراء الأخرى، فى الصراع الدامى داخليا وإقليميا وعالميا، نرى ذلك ونشيد بما حققته مصر من استقرار علاقاتها الأمريكية، والبناء المتواصل لعلاقاتها الروسية والصينية، وهى القوى البازغة فى عالم اليوم.
ولكن ما نراه من سقوط الأوروبيين الفادح، واستغلالهم حادثا هنا أو هناك، من أجل ممارسة الابتزاز السياسى والاقتصادى على الدول العربية، واهتماماتهم بما حدث أخيراً فى محاولة لابتزاز السعودية، بحادث، لا تزال كل ملابساته غير معروفة، ومبهمة، والحادث الذى أعنيه هو المعروف بحادث جمال خاشقجى، وقد اشتهر كصحافى فى الإعلام السعودى، فى حين أن خاشقجى استخدم الصحافة، وهو ليس بصحافى بالمعنى الحرفى أو المهنى، وهذا لا يعنى عدم الاهتمام بحياته، وبما حدث له، فنحن نرفض أى اعتداء عليه، أو على غيره.

لكن جمال خاشقجى سياسى ديني، أكثر منه صحفيا، فقد ظل وسيطا مع جماعة أسامة بن لادن وبين كل التيارات الدينية فى المنطقة لسنوات طويلة، وله صور عديدة، وحوارات مع بن لادن، معروفة للجميع، كما أن اهتماماته بحركة الإخوان المسلمين جعلته معاديا لكثير من البلدان العربية، خصوصا التى رفضت حكم الإخوان، وجعلته شريكا فى محاولة الوقيعة بين البلاد العربية، وراح يدفع السعوديين إلى التحالف التركى ضد العرب.

ولذلك فإن هذا الحادث يظل فى حاجة إلى شفافية كاملة فى المعالجة، فإذا ثبت رحيله أو قتله، فإن دماءه موزعة بين قبائل عديدة، لعل منها تركيا، وجماعات الإرهاب، أو جماعات الإخوان نفسها، لأن خاشقجى كان وسيطا لها مع السعودية، وقد تكون هناك ملابسات عديدة لهذا الحادث الغريب فى أطواره، وتطوراته، والأغرب فى هذه الواقعة الخطيرة أن تركيا، وقد حدث على أرضها اختفاء جمال خاشقجى، حاولت أن تمارس الابتزاز والشائعات لتشعل الصراع، وبذلك أصبحت تركيا بوقا إخوانيا بامتياز، يمارس أدواراً شريرة ضد كل بلاد المنطقة العربية، لا تقل خطرا عما تمارسه إيران وإسرائيل، واستخدامها لقطر، وكلها تصب فى إضعاف الدول العربية ككل، وسط صراعات داخلية وإقليمية على النفوذ، والسيطرة على المنطقة.

ما لا تعرفه تركيا وأمريكا وأوروبا أن الأدوار التى يلعبونها للابتزاز، باستغلال تلك القضية الحساسة، قد ينقلب عليهم، ويخلق حالة من عدم الاستقرار العالمى، تغذى الإرهاب والتطرف، وتهز سوق البترول والغاز فى الشرق الأوسط. إنها قضية صغيرة، لكن لها تبعات كبيرة، لأن المنطقة العربية لن تصدق الغرب الذى ترك سوريا تحترق، ويموت فيها أكثر من نصف مليون إنسان، ويتجاهل العراق الذى مات فيه أكثر من مليون آخر، وفلسطين التى لا تزال تموت يوميا منذ أن طرد سكانها، وإقامة إسرائيل على أنقاضها، وبلادنا التى احترقت بفعل الإرهاب والتطرف من أفغانستان وباكستان، لكى تتفرغ السفارات، ووزير الخارجية الأمريكى ليعرف مصير جمال خاشقجى، مع أهميته، فكلنا نريد أن نعرف مصير السياسى السعودى الذى اختفى أو قتل، ولكن ما نهتم به أكثر هو استقرار المنطقة، وألا نشعل الحروب، والاضطرابات، والخوف الدائم، بين الشرق والغرب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى