رحل محمودا.. وداعا درويش

| رحل محمودا.. رحل مشكورا.. وداعا درويش. شاعر قضيتنا فلسطين.. وابن عروبتنا البار. قلبي مع الفلسطينيين اليوم..وهم يوارون جثمان الشاعر الكبير محمود درويش ثري مدينة رام الله.. فوق تلة تطل علي القدس, حدث جلل لايتكرر في عمر الشعوب والدول.. ليس لأنه رمز لقضية, بل لأعدل القضايا, ومتحدث باسم شعب, بل أنبل الشعوب, فالرموز قد تكون كثيرة, من سياسيين وعسكريين وقادة رأي وزعماء وفصائل واحزاب وجماعات.. ولكن لاتجتمع فيهم ما اجتمع للشاعر محمود درويش.. دولة الشعر وقوته وسحر بيانه, أقامت دولة لفلسطين التي عجز عن إقامتها الجميع بمن فيهم الشعب الذي ضحي وبذل الدماء.. دولة فلسطين قائمة في شعر درويش.. بل هي دولة قوية وصامدة.. تستطيع أن تصل إليها وتزورها وتقرأها وتعرف حدودها, بل أن تقف بين بيوتها وتخومها, بل أن تصلي وتخشع بين ربوع مساجدها وكنائسها وخلف بنيانها.. تجد الحكمة والسلوي معا, بل تجد الصدق والشجاعة, بل تجد الحقيقة لتحميك من أن تتوه بين الحقائق!. استطاع بشعره أن يهزم المنفي, سواء في الداخل أو الخارج! ووضع حدودا للدولة, وهوية لشعبه عجز عنها الجميع, وأخذ بأيدي اللاجئين في المخيمات وأنقذهم من الشتات. كان يري الحدود تتآكل والقضية تضيع فيعيد بناءها, بل يهندم الحب والمشاعر والأرض والوطن.. صنع الدولة فرأينا فيه فلسطين, بل إن قدرته وموهبته الفذة جعلتنا نري العروبة حية, بل إنه فتح أمامنا بابا رحبا واسعا لنري الإنسانية كلها عبر فلسطين الحية والموجودة دوما في شعره. الراحل الكريم ظاهرة إنسانية فريدة لا تجود بها الأزمان إلا نادرا, فوجوده من ألطاف الأقدار في الكوارث الكبري, وإذا كانت القضية الفلسطينية والفلسطينيون قد عانوا الكثير من قبل الأربعينيات وحتي الآن, فلم يعان شعب أو جماعة إنسانية مما عانوا ظلما وإجحافا في عالم لا يعرف الا حقوق الأقويا والأغنياء, ولايعطي الضعفاء الا منظمات تتكلم عن حقوق الإنسان!. وبالرغم من معاناة وكارثة الفلسطينيين فإن الأقدار كانت لطيفة معهم فمنحتهم محمود درويش وأشعاره, فكتب وذاب فيهم وأبدع فأغني العقل والروح, وترك لهم كلمات ليست كالكلمات, لا تضيع ولا تنسي. لم تخلد درويش وحده, ولكنها خلدت فلسطين وشعبها في الوجدان العربي الحقيقي. الذي يعرف معني الشعر وقيمة الشعراء. الشعر خلود للوجدان والأرواح, قبس من نور الله. كنا في حاجة إليه لنهزم الاحتلال وضياع الأرض ونواجه المنافي والسجون والمستوطنات الإسرائيلية والانقسام والصراع بين الأشقاء الفلسطينيين. وصل إلي ذروة وحكمة تعيش, بل تدفع أصحابها لليقظة والعودة, فحق علينا ونحن نودعه ألا نرثيه, ولكن نقول له: شكرا, فقد رحل محمود محمودا من أهله ووطنه, ونقل قضيتنا من خانة الغياب والتهميش والضياع إلي خانة الحضور, بل والبقاء.. البقاء الحي الذي يصنع الأمل. ونحن نودع درويش اليوم نقول له ولمحبيه: إن الخلود الذي تركته لنا يكفينا, وإنك أوفيت لشعبك فلسطين, ولعروبتك, بل وللإنسانية, وإنك من خير الناس, فهنيئا لك نصرك ونصرة قضيتك العادلة, بل أعدل القضايا وأشرفها في الوجود بإذن الله. ونحن في الأهرام نعرف قدرك وقدر عطائك لوطنك ونفخر بك, بشخصك, ونعتز بعطائك وموهبتك الفذة وعبقريتك, التي وصلت بالكلمات العربية إلي ذروة ومكانة نادرا ما يصل إليها إنسان, ونقدر ونعتز إنك عملت معنا في سنوات صعبة لقضية فلسطين والعروبة, وكنت, وظللت طوال عمرك المثمر والمبدع راقيا وعذبا وجسرا عبقريا خلاقا وشعرا نحو أحلامنا, نحو فلسطين وعروبتنا المنتصرة. | ||||
