حسابات انتخابات الرئاسة.. الواقع والمستقبل
![](/wp-content/uploads/2018/12/10330457861528920177.jpg)
اليقظة والانتباه السياسي اللذان جاءت بهما الأيام الواقعة بين مبادرة الرئيس حسني مبارك بتعديل المادة76 من الدستور وبين انتخابات السابع من سبتمبر الحالي لايمكن أن يعودا أدراجهما ليطويهما شعور الغفلة أو العزلة الذي احتوي حياتنا السياسية فترة طويلة من الزمن. فلقد عشنا ستة أشهر كاملة من الحوار والحراك, تراوح فيها إحساسنا بين الشك واليقين, والأمل والترقب, وانتهينا إلي حصاد نعتز به ونحن نرقب علاقة اليوم بالغد القريب والبعيد معا. لقد انتهت الأشهر الستة إلي يقظة وانتباه علي حقيقة ما يربط حياة المواطن اليومية بالسياسة والسياسيين. وهي حالة أقرب ما تكون إلي الوعي السياسي المنشود في حياة المواطن المصري المدعو اليوم إلي معترك السياسة, ففيه رغيف خبزه ومسكنه ومستقبل أبنائه. ولقد عرف المصريون مع انتخابات الرئاسة وعودا والتزامات وتعهدات تمسهم جميعا. وهي تجربة فريدة. فالانتخابات التي تختزنها الذاكرة السياسية المصرية كان التصويت فيها مرهونا بالعصبيات أو قدرة المرشحين علي تعيين ابن أو أخ, أو رصف طريق يربط قرية بغيرها. أما اليوم فقد وقف الناخب أمام مصالح أمة ومقدرات شعب بأسره. وهي تجربة جديدة في معناها, وقد ترجمت حقيقة العلاقة بين الأمة والديمقراطية في واقع الممارسة السياسية. والآن تفصلنا عن انتخابات مجلس الشعب أسابيع قليلة, وهي انتخابات تختلف عن كل الانتخابات البرلمانية السابقة. فهي مسبوقة بالتجربة الكبري في تاريخنا السياسي, وبالخبرات التي اكتسبناها أفرادا وجماعات وأحزابا خلال الأشهر الماضية. وحتي تتصل الأحداث وتتراكم الخبرات لابد أن نصل ما يستحق أن يوصل بين انتخابات الأمس وانتخابات الغد القريب والبعيد علي السواء. ومن بين ما أفرزت تجربة الأمس القريب ظواهر عديدة تستحق التأمل والتفكير بقدر ما تسمح به أحداثها التي اكتملت. شخصيات المرشحين وأحزابهم | |
الظاهرة الأولي تتعلق بالمساحة التي يشغلها الحزب, والمساحة التي يشغلها مرشحه, في الوعي السياسي العام. وهي مسألة حاكمة في الممارسات الديمقراطية أينما وجدت. ولن أتوقف أمام اختزال الأحزاب في شخصيات المرشحين, حيث بدا أن كثيرا من الأحزاب غابت تماما وراء شخصية مرشحيها أو أسمائهم. ولقد دخل الرئيس مبارك الانتخابات الأخيرة ووراءه تاريخ طويل من العمل والإنجازات ومع ذلك نجح الحزب الوطني خلال حملته الانتخابية في أن يربط بين برنامج الحزب وشخصية مرشحه, وهي مهمة صعبة حينما يكون المرشح بحجم الرئيس مبارك. وفي تصوري أن مخططي حملة انتخابات الرئاسة في الحزب الوطني قد حققوا مكاسب جديدة حينما تمكنوا من إعادة تشكيل ملامح الصورة الذهنية للحزب لدي الرأي العام المصري, حيث أظهرت فعاليات الحملة أن هناك فكرا علميا وعمليا, وتخطيطا وجهدا, ونظرة جادة وراء كل فعل وكل نشاط. فلم يركن الحزب إلي شعبية الرئيس أو الغالبية المتوقع الحصول عليها, ولذلك اكتسب أرضا جديدة وخبرات غير مسبوقة سوف يكون لها تأثيرها الكبير في المستقبل. والحقيقة أن الأحزاب الأخري في حاجة إلي تفعيل وجودها, ومهمتها في ذلك أيسر, من ذي قبل. فالحياة السياسية تلح الآن بصورة أقوي علي العقل العام المصري, وهو مهيأ الآن للنظر بصورة أكثر جدية لفكرة المشاركة السياسية, والتفاعل مع أطرافها. إن استثمار الأحزاب لما جاءت به الانتخابات الرئاسية من يقظة وانتباه سياسيين مرهون هو الآخر بالقدرات الفعلية لهذه الأحزاب وتميز برامجها. كما أن بعض أحزابنا بحاجة إلي إدراك حقيقة ومغزي التطور في العمل الحزبي, ومن الطبيعي أن تتعدد الأحزاب وتتكاثر في لحظات الانفكاك من أسر الحزب الواحد إلي التعدد الحزبي, ولكن التطور الطبيعي لابد أن يؤدي إلي إعادة التوازن في الحياة ومن الصعب أن نتحدث عن أحزاب حقيقية قد يفوق عددها عشرين حزبا. وإذا كان من غير المقبول وضع قيود علي عدد الأحزاب فإنه من غير المقبول أيضا تشتيت انتباه الناخب واهتمامه في الاختيار بين هذا العدد الكبير من الأحزاب. ومن ثم فإن الاتجاه نحو الاندماج بين الأحزاب الصغيرة يجب أن يكون اتجاها طبيعيا تفرضه أوجه التلاقي بين البرامج ومقتضيات الواقع السياسي, بعيدا عن الاعتبارات الشخصية التي تثير النكتة السياسية في الشارع المصري في بعض الأحيان. فلسنا في حاجة إلي عشرين برنامجا أو عشرين رؤية لمواجهة مشكلاتنا. ومن هنا فإنه يجب علي الأحزاب وهي تدعو الناس إلي الديمقراطية, أن تضرب المثل في السلوك الديمقراطي في تسيير شئون الحزب بدلا من الانقسامات التي تهدد كيان الحزب ذاته. الأحزاب ونفسية الناخب والخطاب الإعلامي إن أحدا لا يستطيع أن يحد من حرية المرشح في التعبير عن آرائه وأفكاره بالكيفية التي يريدها, وربما نكون في حاجة إلي ميثاق شرف جديد يلزم به كل مرشح نفسه ألا يتجاوز في انتقاده الآخرين حدود ما تقره الأخلاق العامة في المجتمع, أو ما تسمح به المنافسة السياسية. وربما يدفعني إلي ذلك الخوف من أن يتحول الخطاب السياسي الجارح في المستقبل إلي خصومة تخرج بنا عن السلوك الديمقراطي الصحيح, وقد عرفنا ذلك كثيرا وطويلا في انتخابات متعددة سابقة أثارت الفوضي وأودت بحياة كثيرين وألحقت الأذي بتجربة الانتخابات ذاتها. تحديث الجداول الانتخابية إن هذه الجداول شديدة الارتباط بحقيقة الممارسة الديمقراطية. وترتبط هذه القضية بمشكلة الإحصاء في مصر. فالإحصاء يمثل قاعدة أساسية لكل شيء, بداية من التصويت وحتي احتياجاتنا من الطعام والمساكن. ولابد من أن تحظي هذه القضية بالاهتمام الذي يليق بها في الانتخابات وغيرها. إذ لاتنقصنا التكنولوجيا اللازمة لتنظيم جداول الناخبين, ولن نعيد اختراع العجلة. كما أن مؤشرات الانتخابات الرئاسية تؤكد أن معدلات المشاركة سوف تزداد بالثقة التي استعادها المصريون في النشاط السياسي. وإذا ظلت جداول الانتخابات علي حالها, فإن المشاركة في التصويت سوف تصبح عبئا علي الناخبين والقضاة ومنظمي اللجان. ولاشك أن قدرتنا علي تنظيم جدول الناخبين تعد مؤشرا بالغ الحيوية علي ديناميكية جديدة تساعدنا علي مواجهة الكثير من المشكلات الأخري. ثقافة الديمقراطية الغائبة وعلينا أن نعترف بأن المصريين الآن ليست لديهم ثقافة ديمقراطية حقيقية تم اختبارها عبر تجارب طويلة رسخت القيم اللازمة لها. وهذه ليست مسئولية قطاع أو مؤسسات دون أخري, وإنما هي مسئولية جماعية للأسرة والمدرسة والجامعة والحزب ووسائل الإعلام. وتفرق المسئولية بين هذه الأطراف لا يعني ضياعها, وإنما يعني ضرورة البحث عن مبادرة وطنية لترسيخ قيم الديمقراطية وثقافتها, ووضع البرامج اللازمة لذلك, فثقافة الديمقراطية كفيلة بالحد من مشكلات المرور في الشوارع والطرق, والإقلال من عدد القضايا المنظورة أمام المحاكم, وتغييب كثير من سلبيات الشخصية المصرية التي أفرزتها التغيرات السريعة في المجتمع إنها ضرورة حياة وضمان لمستقبل آمن. وأرجو ألا يتحمس البعض لثقافة الديمقراطية للمطالبة بإدخالها ضمن المقررات الدراسية في مراحل التعليم مثلما ينادي الداعون إلي حقوق الإنسان والمطالبون بالمحافظة علي البيئة وغيرهم. فثقافة الديمقراطية تنمو سريعا عندما تصبح جزءا من نسيج الحياة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وخطورة غياب هذه الثقافة مع استمرار مظاهر الديمقراطية هي أن يتحول الحق في الحرية والاختيار إلي تعصب في الرأي, أو جمود في الفكر, يؤثر في النهاية علي الديمقراطية نفسها. | |