المتحف الكبير .. معجزة قلما تتكرر

الأحد 11 من جمادي الأولى 1447 هــ
العدد 50735
ما شهدناه أمس هو معجزة قد لا تتكرر، ولكن عندما يختصر الصرح هوية أمة كى تستعيد الذاكرة مجدها، ويتجسد المستقبل فى أبهى صوره، فأنت فى حضرة المتحف المصرى الكبير.
فى لحظةٍ تكاد تتدلى فيها الأجرام السماوية، ربما لتلتقط صورة مع أهرامات مصر وما يضيؤها من مظاهر احتفال، فُتحت أمس أبواب المتحف الكبير؛ حلم طالبه الحاضر بالتحقق؛ هذا المتحف ليس مبنى فحسب، بل هو ميثاق بصرى يربط بين التاريخ والمستقبل، فإذا به معجزة قلما تتكرر: مدينة ثقافية كاملة ترتقى على أقدام الذاكرة، وتفتحُ أبوابَها لآلاف الآثار النادرة التى تستحق أن تُروى لا أن تُخزَن، وتستحق أن تُشاهد لا أن تُحجب، لماذا الآن؟، لأن مصر دولة لا تقف عند حدّ، ولا تسلك طريقا واحدا، والبناء فيها ليس رفاهية، بل طريقة حياة؛ فنحن نعمر حين يهدأ الدويّ، ونجدد حين يغفو التاريخ؛ نحن أمةٌ تنبعثُ من جديد، لا لكى تلحق بركب ما، بل لأن فى ذاكرتها زَخمٌا لا يَسأم أبدا من البناء، والتجديد، والتعمير، ومتحفنا الكبير فى جوهره ليس كأى بناء، لا إنما هو ذاكرة تاريخية نابضة.. إنه بالأحرى محطة فارقة لإعادة تشكيل الوعى الجمعيّ: نلتقط صورا مع تاجٍ لا نحمله على رءوسنا، ننتظرُ عند قاعة من القاعات التى تحرس الأسرار بلا أسوار، ونحسُّ بأن التاريخَ قد عاد إلينا- لا ليمشى بيننا كظلٍّ، بل لكى نمشى نحن معه، فحوّل المتحف فرحتنا إلى ذاكرة حية، فمن الطبيعى أن يَغمر الناس الحماس، ففى هذه اللحظة البهيّة، اشتعل الخيال الشعبى مع موجة عامرة من الذكاء الاصطناعي؛ كثيرون حولوا صورهم- بطرق سريعة، وثرية بخوارزميات- إلى ملامح وأزياء فرعونية، فاتصلت الهوية الحاضرة بالتاريخ، كما يتصل الخيط بإبرة نسّاجٍ ماهر.. يعيدون صياغة ذواتهم بلمسةٍ رقميةٍ؛ صبيةٌ يلوّنون ملامحهم بدرون ذهبيّة، فتيات يرتدين تيجانٍا مستوحاة من عبقرية قديمة، ورجال يرفعون أعينهم إلى تميمة على الشاشة كى يقولوا لها: نعود. هنا، فى هذا التحوّل المرحّ، فيصبح الفرحُ مشروعا جماعيًا.
وفى الختام، المتحف سيذكرنا بأنّ البناء هو الهوية، والتجديد هو الحكمة، والعمران هو الأمان، والانبعاث هو الوعد الذى نعطيه لأنفسنا كل يوم، لذا هو حقا معجزة قلما تتكرر، لكن مصر بلد يكرر المعجزات حين يشاء.
