سليم وبشارة تقلا.. «1»
الأحد 9 من صفر 1447 هــ
العدد 50644
منذ 150 عاما قَدِمَ لمصر من الشام، وتحديدا إلى الإسكندرية، الأخوان «سليم وبشارة تقلا»، اللذان فكرا (وقتها) فى إنشاء جريدة منفتحة، وعصرية، ووضعا أساسا متينا، وكما قال الحكماء فإن التأسيس أهم خطوة فى البناء الذى يعيش طويلا، ويتجدد مع الزمن، صحيفة نراها الآن هى ديوان الحياة المعاصرة، كما سماها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وأطلقت أنا عليها «الصحيفة طابعة البنكنوت- الأهرام»، وهذا ليس تجملا، أو مبالغة، ولكن من واقع تعريف البنكنوت، فقد كانت صفحاتنا يحررها وينشرها القراء، ويدفعون ثمنها، ثم يعاودون شراءها مرة أخرى، والاقتصاديون يعرفون الورق النقدى كذلك، ومن يجادلنى يرجع إلى «المبوبة» الاقتصادى، و»الوفيات» الاجتماعى اللتين يدفع ثمنهما القارئ ثم ينتظرهما ليشترى الصحيفة (مرتين يدفع)، وقد تم التأسيس، ثم صدر العدد الأول فى 5 أغسطس 1876، وكانت أسبوعية (السبت)، وبعد شهرين، بالتحديد، قفزت لترحيب السوق بها إلى «يومية».
لقد كان الأخوان تقلا يسبقان عصرهما بمائة عام على الأقل، حيث كانت لغة الصحيفة رشيقة، ومختزلة، لا رطانة، ولا سجع، فشيدا الأهرام كنواة لمؤسسة كبرى تفرعت، وصمدت، وقد تمصر الأخوان اللبنانيان، بل تشبعا بالمصرية، فاختارا رمزا (الأهرام) هو الأهم للمصريين، عنوانا لاستثمارهما الفكرى والصحفى السابق لعصره، حيث المهاجران لم يقفا طويلا أمام أنهما غربيين، فهما يعرفان أننا العرب عالم واحد، وأن اللغة تجمعنا، والدليل ما كتبه عنهما عبدالرحمن الكواكبى بعد ثلاثة أعوام من الصدور بأن «الأهرام هى دار العلم والحرية، وخاضا غمار معارك مصر الوطنية والسياسية، وجاءا إلى مصر مملوءين بالطموح، والحب لوطنهما، فأسسا المطبعة قبل الصحيفة التى أصبحت فيما بعد من أكبر مطابع الشرق، كما أدخل الأخوان تقلا فنون الصحافة، ومنها الحديث، وكان أول حديث صحفى أجراه بشارة تقلا مع الخديو إسماعيل.
وأخيرا، لقد وضع آل تقلا تقاليد للمهنة مازلنا نسير عليها حتى الآن.. 3 قرون مرت: قرن التأسيس، وعشت القرن العشرين، ودخلت القرن الجديد، وهى صحيفة الشعب، لم يكن لها طعم، أو لون خاص بها، ولكنها تجمع فى صفحاتها كل الألوان الطعوم، ومازلنا نفتح ونواصل القراءة فى 150 سنة، وغدا نكمل الحديث.
