2019مقالات الأهرام اليومى

قضية فلسطين.. وأبعاد مؤتمر المنامة

الأثنين 27 من شوال 1440 هــ
العدد 48419
وسط مناخ إقليمى صعب، تعيشه منطقة الشرق الأوسط حاليا، وصراعات متنوعة على جبهات متصاعدة، وفى أكثر من بلد عربي، هناك حالة حرب، بل وسقوط لكثير من دولنا العربية، واستئساد عالمي، يتقدمه الإيرانيون والأتراك على دولنا ومنطقتنا، وهناك جمود شبه كامل على صعيد أخطر قضايانا على الإطلاق، قضية الدولة والشعب الفلسطيني، وصراعها الطويل مع الإسرائيليين. نظمت الولايات المتحدة فى قلب الخليج, فى المنامة عاصمة البحرين, مؤتمرا ماليا أو تنمويا واستثماريا، أو ما عرف بورشة اقتصادية (يونيو 2019)، كمقدمة لطرح جديد، ننتظره منذ فترة من إدارة الرئيس الأمريكى ترامب للقضية المحورية لمنطقتنا، وقد عرف دعائيا أو سياسيا بصفقة القرن.

قضية فلسطين لم تصبح فى عصرنا الراهن قضية العرب، أو أهل الشرق الأوسط وحدهم، بل هى قضية عالمية بكل المقاييس، يقاس عليها استقرار السلم والأمن العالميين فى كل القارات، وهى نقطة البداية لإزالة الإرهاب والتطرف الذى يغزو كل العواصم العالمية، ولعلها أكثر القضايا التى يحصل السياسيون الذين يتصدون لها على جائزة نوبل للسلام، (حصل عليها السادات، وبيجين، وياسر عرفات، وشيمون بيريز، وإسحاق رابين، وكارتر).

ويبدو أن هذا البريق العالمى داعب إدارة ترامب ومفوضها صهر الرئيس جاريد كوشنر، فساروا فى الطريق القديم، ولكن بأسلوب متهافت، وشبه ساذج، ومن حيث أرادوا أن يختبروا، ومعهم الإسرائيليون، العرب، فطرحوا هذه الورشة التى كانت كل مقدمتها تشير إلى الفشل قبل أن تبدأ، ولأن قضية فلسطين ليست قضية أموال واقتصاد، بقدر ما هى قضية شعب، واستقلال، وحقوق، وعدل لشعب تشرد، وطرد من أرضه، فى أطول فترات الظلم التاريخى لشعب نشهدها عبر التاريخ الإنساني..

فقد كان يجب أن يكون المطلب سياسيا واضحا، قبل طرح الاقتصاد، وإقامة المشروعات، ومن حيث أراد كوشنر أن يختبر العرب، فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخهم، وهم يواجهون صراعات متنوعة من جيرانهم الإيرانيين والأتراك، وفى حاجة إلى إعادة الاستقرار الإقليمي، بطرح هذه القضية الصعبة كمساومة سياسية واقتصادية، فظهر كرجل أعمال هاوٍ، لا يعرف أبعاد ما يطرح، وما يقول، فهو يتكلم فى موضوع لا يعرفه تماما، وجديد عليه، بل ولا يعرف تاريخا.. ولعل أبسط الأشياء هى أن الأموال والمشروعات المطروحة على الفلسطينيين، سبق أن طرحها بيريز ورابين، ورؤساء أمريكيون متعاقبون فى الـ 40 عاما الماضية، وهى أضعاف ما قاله كوشنر فى المنامة، ولو تصور أن الصناديق والمشاريع تدفع للسلام، لنجح بيريز ورابين على ضفاف البحر الميت فى الأردن، فقد تم تقديم أضعافها فى أكثر من مؤتمر إقليمى وعالمي، ولم يكن هذا صلب الموضوع المطروح..

ولكن يبدو أن الوسيط الأمريكى لم يكلف نفسه بأن يطلب من وزارة خارجيته كشفا بالمشروعات الاقتصادية السابقة على وجوده، فجاء طرحه مفاجئا للجميع، ليس للعرب وحدهم، لكن للأمريكيين أنفسهم الذين يعرفون تاريخ هذا الصراع، وكيفية حله، ولكنهم تركوا الإدارة وكوشنر فى هذا المأزق التاريخى لأسباب لا نعرفها، ولعل أفضل شيء فعله العرب أنهم ذهبوا إلى هذا الاختبار، وأثبتوا الرغبة فى السلام العالمى الذى كشف فى الوقت نفسه ضعف الإدارة الأمريكية الراهنة، وعدم قدرتها على السير فى هذا المسار (ذهبت 39 دولة من المنطقة ومن العالم).

ولعل هذا الحدث الكبير يكشف للرئيس الأمريكى ترامب وإدارته عن عمق هذه القضية وخفاياها، ويكون القادم أفضل مما جاء فى المنامة التى دخلوا دهاليزها دون تجهيز سابق، ودون فهم، بأن حل هذا الصراع التاريخى الذى يقترب من مائة عام، ليس اقتصاديا أو بصفقات تجارية أو بانتهاز فرصة ضعف تاريخى تمر بها منطقة الشرق الأوسط التى تشهد تهديدا لاستقرارها من مناطق عديدة، فليس هناك مساومة، ولن تكون، على قضية الشعب الفلسطيني، لأن المفاوض هنا ليس سلطة فلسطين فقط، أو دول عربية تنوب عن الفلسطينيين، بل هى قضية حق وعدل لأكثر من سبعة ملايين فلسطينى فى الداخل والخارج، يبحثون عن حق تقرير المصير، وعن الدولة العتيدة، ولا يمكن تجاوزهم على الإطلاق، (فهم قادرون على تفجير المنطقة بل والعالم إذا لم يحصلوا على حقوقهم ودولتهم العتيدة). أما المشروعات الاقتصادية والبنية الأساسية فهى ستتم بواسطة كوشنر أو غيره، وهى ليست بديلا عن الحل، لكنها جزء من الحل، ومن الدولة المرتقبة.

يجب أن نفهم بأن هذه الورشة كشفت للكثير، ولكل مهتم بمستقبل الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، والسلم العالمي، أن الحل يجب أن يتم بمساعدة، تقدم للفلسطينيين، سياسيا، وتعترف بحقوقهم وسيادتهم، لكى يعودوا إلى وحدتهم، وإلى أراضيهم فى الأراضى المحتلة، وفى القدس الشريف. ولعل المجتمع الدولى هو أكثر المستفيدين بهذه الوحدة الفلسطينية، وتشجيعهم على قيام دولتهم التى لم تعد مهمة للفلسطينيين وحدهم، بل مهمة لكل دول العالم، لأوروبا وأمريكا والصين وروسيا قبل الشعوب العربية، ومثلما ساعدتم اليهود فى التجمع فى دولة إسرائيل، أصبحتم جميعا مطالبين بمساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم المرتقبة بجوار إسرائيل، لأنه لا مستقبل للسلم إلا بقيام الدولة الفلسطينية العتيدة.

تصوروا أن الاختبار الذى أقامته أمريكا وإسرائيل للعرب فى المنامة، أثبت بجدارة، أنهم لا يستطيعون أى ضغط على العرب والفلسطينيين للقبول بحلول قديمة أو متهافتة لقضية شعبهم، بل إنهم سيكونون أكثر المتضررين من غياب هذه الدولة العتيدة.

الضعف العربى والظرف الراهن كشف عن قوة هذه القضية وأبعادها الدولية الكبيرة، ولعلنا نشكر كوشنر وإدارته على هذا المؤتمر أو الورشة، ولكننا قطعا لا نستطيع أن نهديه جائزة نوبل للسلام الذى يتطلع إليها لإدارته، فلعل درس المنامة يجعله يقترب بأسلوب أفضل وبسياسة عادلة، وأكثر عمقا من القضية، وأن يسلموا بالحقوق المشروعة العادلة للشعب الفلسطينى ودولته المرتقبة، وعاصمتها القدس الشريف، فهى قضية لا تقبل المساومة على الإطلاق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى