عرس السودان

الأثنين 11 من ذي الحجة 1440 هــ
العدد 48461
أعتقد أن إرادة التغيير، وروح السودان القوية سوف تنتصران، لأن الوطن الذى استطاع أن يعيش فى ظل أسر الجماعات المتأسلمة أو الإخوانية 30 عاما، ولا يموت أو ينتحر ولا تتغير روحه الواثبة، هو وطن قوي، لأنه يعرف مصيره ومستقبله.. ولكن خطر المتأسلمين مازال جاثما على صدر السودان والسودانيين، مثلما هو ماثل ومتربص بكل بلد عربى أو إسلامي.
فهؤلاء فئة فقدت عقولها، وتسلطت عليهم أطماع سلطاوية مغلفة بشعارات أو أفكار استوردت من بطون جماعات متتابعة أو خوارج، مرت فى تاريخ الأمم التى استعمرت طويلا، وظهر من بينها من يخوفنا من الحياة كلها، بحجة أن نتحول إلى كفار أو أعداء للدين، ونحن هنا لا نناقش أفكارهم البالية والمخيفة، فقد نوقشت كثيرا وفندت، وأصبح الكثيرون يعرفون أبعادها وخطورتها على مستقبل الإنسان أصلا، قبل مستقبل الأمم والشعوب!!
المتأسلمون لا يتركون فرحة للشعوب أن تهنأ أو تعيش، هذا ما يجب أن يدركه السودانيون، مثلما أدركه المصريون، وأن يعرفه الليبيون، وهم فى صراعهم الصعب والمرير، وفى حالتهم الراهنة المخيفة، وأن يصل إلى عقول الجزائريين، وأن يتبصره أهل تونس الكرام، وهم فى مراحلهم الانتقالية الدقيقة والصعبة.
هناك خيوط تجمع بين هذه المنطقة، فى مرحلة التحولات والتغييرات الصعبة، ليس المهم أن تجرى الانتخابات، وأن تصل حكومة إلى السلطة، وليس المهم أن تبنى نظاما سياسيا، ولكن الأهم لمجتمعاتنا فى مراحلها الحالية أن نبنى مؤسسات، لا تسمح بالانهيار أو التدهور أو الاندفاع نحو الفوضى والحروب الأهلية الصعبة، أو سيطرة فرق أو جماعات من القرون الوسطى على مقاليد الحكم، ثم تدفعنا نحو السقوط، وأن تكون دولا فاشلة لا مستقبل لها ولا رجعة فى العودة، أو أن يفقد الإنسان البسيط حياته ومستقبله..
لقد كان المصريون قادرين على التحرك فى الوقت المناسب، لإنقاذ بلدهم من السقوط فى يد هذا التيار المتأسلم المتأخون الذى قرر أن يلغى مستقبلهم ويشردهم، ويدفعهم إلى الحرب الأهلية أو السقوط فى صراع الحياة والمستقبل، وسوف نظل مدينين للجيل الحالى من القادة المصريين وللمؤسسات التى تحركت لوضع حد لهذا الانهيار، وللشعب الذى رفض هذه الحالة من السقوط، وتحرك قبل فوات الأوان لوضع حد لها، ففتحت أبواب الأمل والرجاء للأجيال الحالية والأجيال المستقبلية، أن تعيش فى دولة حرة، لا يسيطر عليها حزب ميليشياوى أو جماعة دينية متطرفةْ باعت قرارها لقوى عالمية أو لقوى إقليمية لمكاسب سلطاوية رخيصة.
وسوف نظل مدينين لمن خلصونا من جماعة الإخوان، والذين لم يتوقفوا عند هذه المكرمة العظيمة، ولكننا وجدناهم يسارعون فى بناء وطن قوي، ومؤسسات حديثة، لن تسمح بردة أو عودة إلى نقطة السقوط المريرة السابقة والصعبة مرة أخري، رغم تربص هذه القوى وحربها العدوانية الإرهابية ضد الشعب وحياته، والتى رأيناها بعيوننا وهم يقتلوننا فى المستشفيات وفى الجوامع وفى الكنائس، وهم يحاربوننا بالكلمة وبأموال خارجية، يتسلطون علينا، ويسفهون ما نعمل، وما نفعل، حتى نفقد الثقة والأمل..
ولكننا نجد الشعب يلملم ضحاياه، ويقف شامخا ضد هذه التيارات العدوانية، كاشفا كل يوم أطماعها وأكاذيبها أمام كل الناس. ولذلك فرحنا لأشقائنا السودانيين، وقد أزاحوا هذا الكابوس الذى يتدثر بعباءة التأسلم والثورة، ليلغى السودان، ويشطب السودانيين من قاموس الحضارة والتقدم، وهم أهلها وروحها.
ووجب علينا أن نهنئ الشعب السودانى بالتوافق الذى تم بين مؤسساته المدنية والعسكرية التى واجهت هذه العصابة الإخوانية، بعد أن تجذرت وتشعبت فى مؤسسات الدولة المختلفة، ورأينا رئيس الأركان للجيش، العضو فى جماعة الإخوان، وهو يحاول أن يقوض الاتفاق، ليعيد سيرة البشير بانقلاب جديد، فتصدى له ابناء السودان خاصة من العسكريين، ابناء الجيش الشرفاء الذين آمنوا بالتخلص من هذا التنظيم المخيف الذى يدفع السودان إلى الموت.
الاتفاق الذى توصل إليه السودانيون لإدارة المرحلة الانتقاليةْ، والتى تصل إلى 39 شهرا، بالتعاون بين المؤسسات العسكرية والمدنيةْ، وقوى التغيير، يعكس قدرة هذا الشعب والدولة على تحدى الصعوبات، ويثبت أن الدولة لا تستطيع ان تتحرك إلى الأمام إلا بتعاون الجيش والشعب ومؤسسات الوطن.
أصبح أمام السودان الانتقال السلمى من منطق القوة إلى منطق الدولة، بل أن يركز فى مرحلته الانتقالية على بناء المؤسسات قبل بناء النظام السياسي، فهى التى تحمى هذا النظام، فالمؤسسات هى القادرة، بل الساهرة على حماية الوطن من الردة والانزلاق إلى يدى الميليشيات والجماعات الإسلامية أوالمتطرفة.
من حق السودان أن يسعد، بالتخلص من تلك التيارات التى أشاعت داخل الدولة السودانية روح الحقد، والكراهيةْ والحروب الطويلة، فهى المسئولة عن انقسام السودان، وانفصال الجنوب السودانى الذى تمزق بالحروب الأهلية… كل المسئولية على ما حدث فى الجنوب وبين دارفور من حروب أهلية، يقع على عاتق هذه التيارات المتأسلمة التى تحكمت فى السودان، فأشاعت فيه روح الخوف والانقسام والانهيار..
السودانيون هم أهل التسامح والعفوية والبساطة والحب لعروبتهم وإفريقيتهم فى الوقت نفسه، والمتأسلمون هم المسئولون عن تدهور كل أوضاع السودان، وهم تحملوا المسئولية الكاملة عن تدهور النظام الديمقراطى والسياسي، وانهيار المؤسسات السودانية، وأن الخطر على السودان هو تربص هذه الجماعات بالوطن، وعلى القوى السودانية أن تسارع بالانضمام إلى هذا التوافق، وإلى هذه الوحدة بين الشعب ومؤسسات الدولةْ حتى تقطع الطريق على الخطر الحقيقى على مستقبل السودان، وهم جماعة الإخوان المتأسلمين..
الأحزاب القديمة فى السودان عريقة فى فهم معانى العملية السياسية، ولذلك فهى عليها أن ترعى اتفاق السودانيين، ولا تقع فريسة لانتهازيتها الصغيرة التى مكنت الإسلاميين منذ 30 عاما من مقاليد البلاد، ومحاولة تغيير هوية السودان، وطمس مستقبله، وتقسيمه إقليميا وعالميا.
اتفقوا لتبنى مؤسسات ودولة تقف ضد تيارات التخلف والجهالة والإرهابيين .. ولا تجعلوها تطل برأسها مرة أخري، سواء فى السودان أو فى مصر أو فى أى بلد عربي.
