حجى.. وداعا!

الخميس 9 من محرم 1445 هــ
العدد 49906
رحل الملاح الموهوب، عبقرى الألوان بكل أشكالها، الذى جذبه الفن لأغواره السحيقة.. رحل محمد حجى (ابن المنصورة) الذى تنقل بين كل جرائد ومجلات مصر، والوطن العربى، وملأها جمالا، وألوانا.
حجى (١٩٤٠- ١٧ يوليو ٢٠٢٣) لم يكن موطنه مصر، أو ريف الدلتا، حيث وُلد، وعاش شبابه، بل تراه يأخذ الجمال من كل طرف.. من تونس، والجزائر، وليبيا، بل أوروبا.. فلاح المنصورة، شكلا ومضمونا، وتعبيرا، أرستقراطى الجوهر والمكمن، استبطن كل معالم الفنون الغربية بعمقها، وأسطوريتها، وخزّنها فى عقله، وضميره، وأخرجها رسوما، وفنا، وجمالا من كل نوع، ليتنقل برسوماته، ويصنع لنا هوية جمالية، وبصرية تتناسب مع عروبتنا، وقضايانا الوطنية، وحياتنا المعاشة.
عرفت حجى فى أوائل الألفية الثانية (2000) على صفحات مجلة «نصف الدنيا»، وهو يرسم بتقنية جديدة أحلام كاتب مصر الأول، وصاحب نوبل (نجيب محفوظ).. أحلام فترة النقاهة التى اكتسبت زخما على الورق برسومات حجى المصاحبة لها من يناير٢٠٠٠ إلى رحيل كاتبنا فى 2023، وكان كل عشاق المجلات يحسدون سناء البيسى، رئيس تحرير المجلة، لأنها جذبت أهم كاتب، وأفضل رسام للجرائد، والمجلات معا، وكنا نصدر «الأهرام العربى»، وكانت أعيننا منصبة على كل فكرة جميلة، وجديدة، وإبداع نلاحقها، أو نتابعها لنعرف كيف نستفيد منها، وإذا بنا نكتشف أننا لسنا أمام رسام تشكيلى من طراز خاص فقط، بل أهم رسام للجرائد، والمجلات، بل أمام وطنى خالص، خطفته الألوان فى نداهتها التى لا نهاية لها.
لقد جدد حجى القضية الفلسطينية بفنه، وألوانه، وتراجيديا الإنسان الفلسطينى، ومعاناته مع الاحتلال رسمها حجى، لأنه كان يواكبها مع كل انتفاضة، ورحيل بطل، فهو الفنان غزير الإنتاج، يرسم لأنه يحب الفن، والجمال، وقد احتل مكانته بين التشكيليين العرب، وأصبح بجدارة أحد أعمدة فن الرسوم الصحفية، ورغم أنه ابن روز اليوسف، فإنه تنقل بين الأهرام، وأخبار اليوم، وجرائد، ومجلات العالم العربى.
رحم الله محمد حجى الذى بلغ مكانة سامقة برسومه التى ستعيش للأجيال القادمة، ووقتها سيقولون إنه فنان زاده الخيال جمالا، وصدقا، فأعطانا معانى جديدة للاكتشاف، والإنسانية.
