التونى.. إبداع لا يموت!

الثلاثاء 7 من ربيع الأول 1446 هــ
العدد 50317
رحل من أحبه كل الناس.. لم، ولن أجد من لا يحب حلمى التونى الفنان، والإنسان الجميل (30 إبريل 1943- 7 سبتمبر 2024)، فهو فنان تشكيلى غير عادى.. رسوماته، وبورتريهاته، ولوحاته كلها، بلا استثناء، تأسرك، وتأخذك إلى عالم آخر من الجمال، والإبداع، والروح، وتشعرك وكأنك تقرأها، والأهم أنها خلق به روح حية، وكل لوحة ، وكل غلاف كتاب للتونى هو قصة وحدها، وحكاية تتحرك حية ومتجددة، لدرجة أننى أعرف كثيرين يشترون كتبا ليس بسبب أصحابها، ولكن لصورة حلمى التونى، أو لغلافه المميز.
لقد علمتنا الصحافة أن الشكل، والصورة، والإخراج قد تسبق المحتوى، بل تعبر عنه، والتونى من مؤسسى هذا الفن فى مصر، فهو الذى جعل للوحة مضمونا، ومحتوى يحكى، ويتكلم، ويهزم القبح، ويُعلى من قيمة الجمال، وقد ساعدنى التونى كثيرا فى رسم غلاف كتاب أهديته إلى الرئيسين الراحلين السادات، ومبارك، وشاركنى فى التفكير بالمقترحات لـ«الأهرام العربى»، وهو وإن كان من حراس الهوية المصرية، والعاملين على تجديد الوجدان للإنسان المعاصر فى كل مكان، وتغذيته بالفنون، ويؤهله ليعيش عصره- فإنه كان وطنيا عروبيا حتى النخاع، لا ينافسه فى ذلك إلا مصريته القوية.
لقد ودعت التونى وهو يبدع فى هذا المكان يوم الإثنين 18 ديسمبر تحت عنوان «التونى كعادته»، وكتبت عن الفنان، وأعماله التى تواكب الأحداث، ويعيشها، ويبدعها، عندما رصد إبادة غزة، وما يُرتكب ضد الإنسانية من جرائم، بعيونه الفنية الثاقبة، التى تسبق الجميع، وعندما خرج علينا يطالب شيوخ الفن فى مصر، ويوجه زملاءه، وهو شيخهم الراهن، لكى يسجلوا بفنونهم المختلفة تلك الجريمة البشعة ضد الإنسانية التى تدور فى غزة منذ عام وحتى الآن، وقدم بريشته المبدعة معرضا يجب أن يُطبع ويلف الدنيا، فهو يحكى كيف يحارب، ويقاوم المبدعون، والفنانون الكبار، وصوته لن يضيع وهو يكلمنى ليشكر، وأبادره حبا، وشكرا، وامتنانا لروحه المخلصة التى تبدع لآخر دقيقة فى عمرها، وتترك تراثا من الجمال، والحب، والإنسانية لا يُقدر بمال، وسوف يظل يُحرضنا على العمل، والإبداع، وهو راحل، ولن يغيب، فمثله لا يرحل، لأن فنه، وإبداعه لا يموت.. رحم الله المبدع، والخلّاق، والإنسان (حلمى التونى).
