عبور سوريا..!

الثلاثاء 8 من جمادي الآخرة 1446 هــ
العدد 50408
سوريا التى نعرفها، ويعرفها كل عربى، هى صاحبة الهوية العربية الأصيلة، بل قلبها المؤثر، بل إن من حكمها تملق العروبة ليكسب الشعب السورى، فهى بلد لا يبحث عن هوية، بل يعرف مكانته، وكل سورى وسورية يعرفه، وأعتقد أن مركز ثقل سوريا هم السوريون أنفسهم، فهم حقل غلال المشرق، بل مهد حواضره، وبستانه الزاهر، بل ممر حضارات البشرية، ونقطة تقاطعاتها، كما أن سوريا هى نقطة الربط بين الخليج والمشرق والشام، بل امتداد العربى، والمتوسطى إلى أوروبا.
لقد شهدت سوريا فى العقدين الأخيرين أطول حرب أهلية فى المنطقة، وتدخلت فيها كل دول العالم تقريبا دوليا، وإقليميا، وأيا كان ما حدث فى سوريا فإننا نشعر بالارتياح النسبى، حيث الانتقال السريع من أطول حكم بعثى منذ عام 1970- 2024 (حافظ وبشار الأسد)، ولم تُرق الدماء فى سوريا لأن الجميع كانوا حريصين على عدم الانزلاق، أو الانجراف إلى حروب الدماء، أو القصاص، أو الثأر، وكان من فى الحكم، وفصائل المعارضة، حتى الجيش الوطنى، حريصين على عدم إسالة الدماء، وكأنهم أدركوا أن التاريخ، ومستقبل بلدهم يطاردهم، وينظر إليهم، ويراقبهم، فاختاروا اليقظة، والوعى، وأن ينتقلوا وألا ينزلقوا إلى التصفيات الدموية، أو المجازر، كما كانت تشير السوابق التاريخية.
يجب على السوريين أن يدركوا أن دروس اللحظة لا تتوقف عند الملاحظة الدقيقة والمهمة للمستقبل، فليعرفوا مشروعهم التاريخى، وأن ما لدى السوريين هو السوريون أنفسهم، واذا كانت المؤسسات والجيش فى مرحلة التغيير أو انعدام الوزن فإن مؤسستهم الوحيدة القادرة هى العقول السورية المتعلمة، والمثقفة، والواعية فى دولة للجميع.. دولة تحتوى الكل أقليات قبل الأغلبية.. دولة ينوى كل عاقل فيها الاستقرار، ويؤمن بالمواطنة، بعيدا عن الأيديولوجيات، وأن يكون مؤمنا بالتطور والتكنولوجيا، ويحافظ على سوريا، وجامعاتها، ومؤسساتها، وحينها سوف يكتشف السوريون أنفسهم فى عالمهم، ويجتازون، ويعبرون تلك المرحلة الصعبة فى تاريخهم الحديث، وأن أهم الدروس للخروج من التدهور هو الحفاظ على المؤسسات السورية، والأهم فيها هو العقل الذى يتحكم من خلاله الإنسان فى غرائزه، ومشاعره، ويتطلع إلى المستقبل.. سلم الله سوريا والسوريين.
