مقالات الأهرام العربى

بعد أديس أبابا .. مصر – عمان – الإمارات

فى أديس أبابا – عقدت قمم أهمها القمة الإفريقية، ثم قمم متتابعة مع إثيوبيا والسودان، دشنت فيهما مصر علاقة قوية جديدة مع إفريقيا، ومع دول حوض النيل، وبرزت علاقاتها وقوتها بانتخاب إفريقيا لمصر، رئيساً للاتحاد الإفريقي 2019 .
وكانت تلك رسالة قوة وتعبير عن المكانة الدولية التى احتلتها مصر بعد 4 سنوات من العمل المتواصل، لإعادة الاعتبار للعلاقات الإفريقية – المصرية، ومواجهة المشاكل التى تفجرت على نهر النيل بين دول المنابع ودولة المصب، عقب إنشاء سد إثيوبي لتوليد الكهرباء (سمى بسد النهضة) بسبب تأثيره على مستقبل مصر وحصتها السنوية من مياه النهر.

القمة العامة، والقمم الثنائية والثلاثية، كشفت عن قوة مصر في قارتها العتيدة، وأن الدبلوماسية المصرية نجحت إلى حد كبير فى إعادة اللحمة الإفريقية، وترميم وتقوية علاقات دول النيل، وأن مصر بدبلوماسيتها وقوتها وتماسكها، أصبحت فى الصدارة فى إفريقيا ،أى أنها تحولت من حماية حصتها من المياه وضمان دول المنبع فى النيل الأزرق، إثيوبيا وشريكتها دولة المصب السودان، إلى حماية كامل النهر لإفريقيا، وتنمية موارد النيل للشعوب الإفريقية.

مصر أصبحت دولة قوية تدخل الحقبة القادمة كمنتج قوى للغاز والكهرباء، ودولة ذات إمكانيات رفيعة وقوة عسكرية محترفة على البحرين الأبيض والبحر الأحمر، وفى قلب الشرق الأوسط تحمى إفريقيا، وتحمى الجناح الذى يلوذ بها أى الشمال الإفريقى كله، ونهر النيل قطعاً فى صدارة المشهد ضمن رؤية، قد لا تشرحها الكلمات،ولكن تعكسها القدرة والمكانة والدور.
وهذه هى مصر، برغم أوضاعها الداخلية، وإقبالها على استحقاقات رئاسية مهمة للمرحلة المقبلة، وقد رأينا الرئيس السيسى يطير إلى أهم منطقة لمصر وهى منطقة الخليج، فى أول زيارة للرئيس إلى مسقط، ويلتقى السلطان قابوس بن سعيد فى عمان، ومنها يطير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومنطقة الخليج منطقة حساسة، ويشغل استقرارها ونمو دورها وتجاوزها المرحلة الراهنة بال مصر، وقد عبر الوزير، عميق الرؤية والتحليل، يوسف بن علوى وزير الخارجية العمانى، عن أن مصر هى كل شىء فى العالم العربى، وهو أمر واضح ومؤكد، أثبتته التجارب، وأن مصر تستحق التكريم والحفاوة ،وأن زعامتها فى المنطقة أزلية أبدية، لا ترتبط بتوقيت، ولا تعرف التقلبات.

ومن هذه الرؤية الصحيحة والدقيقة، فإن زيارة الرئيس السيسى للسلطان قابوس مهمة بل ومهمة جداً، فهناك فى عمان رؤية أعمق لأزمات الخليج وصعوبة حل المشاكل المتراكمة التى صنعتها السياسات الخاطئة، وعمان عبر تاريخها رؤيتها حكيمة، وسياساتها مستقيمة جداً لصالح شعوب المنطقة ولصالح الخليج، وتملك شخصية سياسية وسياسة خليجية دقيقة، ليس بها هوى أو تقلبات.

إن اتفاق مصر وعمان وتبادل الآراء بين الرئيس والسلطان، سيكون لهما تأثير على مستقبل المنطقة، والخليج الذى يشهد تقلبات لم تحدث من قبل، أو علاقات متوترة بين دول الخليج، خلقتها الأزمة أو السياسات الرعناء لقطر، وعدم تفاهمها مع الأشقاء والدعم المستمر للإرهاب والتطرف الدينى، وتدخلها المقيت فى الشأن الداخلى للدول العربية، وتأجيجها للصراعات والفتن الطائفية والدينية ، ودعمها للتيارات الإسلامية المتشددة.

ومنطقة الخليج تحتاج للتفاؤل، برغم أن الحياة لليمنيين مستحيلة، ودخلت المنطقة للاقتتال بالنيابة، كما أن الصراع مع إيران يدخل مراحل متقدمة، والأزمة السورية تشهد تحولات كبيرة بعد دخول الجيش التركى واحتمالات التصادم فى مناطق الأكراد.

ليس مصر وعمان طرفين فى الأزمات أو المشكلات العربية، ولكن يجب أن يكونا طرفين فى إيجاد حل للمشكلات، وكان استقبال مصر ورئيسها فى مسقط مشهدا مؤثراً ومتميزاً لكل المصريين، ولدينا فى مصر كثير من الاحترام للسلطان قابوس وللشعب العمانى، وكان كثير من المحبين لعمان فى مصر فى انتظار هذه الزيارة التاريخية وإنشاء صندوق للاستثمارات العمانية فى مصر، ولأننا فى شوق أن نرى لعمان ولأهل مسقط الكرام – شركات واستثمار ووجودا فى النهضة الاقتصادية التى تشهدها بلادنا.

نعم عمان صوت للحكمة، وسند قوى للعرب، والزيارة إشارة إلى النهج العمانى الحكيم، سيأخذ دوره فى تسويات سياسية كبيرة تشهدها منطقة الخليج، لأن الحكمة دائماً لها رصيد كبير فى الحركة والتحرك، ولا غنى طبعاً عن زيارة الإمارات، فقد شكلت مصر والإمارات فى السنوات الماضية، ليس محوراً ولا حلفاً ولكن علاقات نموذجية ومثالية ، وإثباتا عمليا لكيف تكون العلاقات العربية- العربية.

هذا النموذج الذى بناه الرئيس السيسى مع قادة الإمارات: الشيخ خليفة ومحمد بن زايد ، ومحمد بن راشد آل المكتوم، سيكون فى المستقبل مرشدا ودليلاً، لكيف يتعاون الأشقاء فى بناء تحالف اقتصادى وسياسى وثقافى اجتماعى لمواجهة المشاكل الجمة والصعوبات التى أثرت على كل الشعوب العربية وعلى منطقتنا، من تداعيات للاضطراب والحروب والإرهاب؟ فكان من الضرورى أن يظهر قادة وزعماء قادرون على مجابهة هذه التحديات وهزيمتها، وإعطاء صورة جديدة للعالم، والأهم لشعوبنا عن قيمة العرب، وعن رؤيتنا التى شوهها الإرهاب والتطرف، وعن سماحة الإسلام والمسلمين.

تحية لهذا اللقاء بين مصر وعمان – الإمارات، تحية للقادة والزعماء الذين يهزمون الإرهاب والتطرف، ويفتحون للشباب وللشعوب العربية آفاق المستقبل، والحلم الكبير للتكامل، وأن تلحق منطقتنا بالعصر والعالم، ولا تتخلف ولا تسقط، وتكون فى مقدمة من يصنعون الحاضر لكى يبنوا تاريخا جيداً للشعوب العربية والإسلامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى