مقالات الأهرام العربى

رسالة إلى الفلسطينيين

هل يظهر جيل عربى قادر على الحل من واقع اللا حل؟
إن الذى لا يتعلم من دروس السنوات السبع الماضية لن يتعلم أبدا، وسوف يظل يدور فى الفراغ بلا أمل فى تغيير، بل سوف يعيش فى العتمة.
ولأن العالم تغير كثيرا، فإن عالمنا الذى نعيشه نحن تغير أكثر، وأصبحت قضايانا الراهنة أكثر تعقيدا، أما قضايانا القديمة فأصبحت مستحيلة الحل، وبالرغم من ذلك، فإن تفكيرنا لم يتغير بعد، فالحلول المطروحة علينا لا تزال كما هى لم تتغير!

ما أقصده هو أن التشابكات فى القضية الفلسطينية، أقدم مشاكلنا، مازالت هى نفسها لم تتغير، ونفكر فيها بنفس الحلول المطروحة سابقا، أما أهل القضية فمازالوا مختلفين، ويتصورون أن الدنيا تنتظرهم، لأن قضيتهم عادلة، وهذا صحيح، لكن العالم لا ينتظر أحدا، وهم أهل حق فإن على العالم بل أعدائهم يجب أن يقدموا لهم الحل المعقول والمنطقى فى طبق من ذهب، ولكن المعقول والحقيقى أصبح لا يحدث، لذلك يجب على إخواننا الفلسطينيين أن يخافوا أكثر على قضيتهم، لأن تهميشها، وضياعها أصبح مطروحا بل ومطروحا جدا، فهناك قضايا كثيرة أصبحت تسبقها فى المقدمة وفى الأولويات.
ولا تصدقوا أن قضيتكم ما زالت كما هى، فكل يوم يمر عليها بلا حل نتآكل، وتتآكل هى، ونحن مقبلون على صيف ساخن، ننتظر فيه أن تتحول القدس عاصمة لإسرائيل، وتنتهى فيه العاصمة القديمة تل أبيب، وبدأت أمريكا فى تنفيذ هذه الخطة.
ورسالتى إلى الإخوة الفلسطينيين لا تصدقوا كلمات التعاطف القادمة من هنا أو من هناك، من أوروبا أو آسيا أو حتى من الصين أو من إفريقيا، فكل شىء يتغير، وتتغير حولنا المنطقة بالفعل، وحتى أهلكم العرب أصبحوا مشتتين وتغيروا، ويتغيرون كل يوم، ولن ينتظروا منكم أن تسارعوا إلى الحل.
وإذا لم تفكروا بجدية فى الحلول المطروحة، فإن قطار الحل سوف يسبق قضيتكم ويتركها وراءه، وسوف تظلون بلا حل، ولن يحدث قتال أو حرب حول قضية فلسطين، أو حول الدولة الفلسطينية، وبدون حل سياسى ودبلوماسى مع إسرائيل وأمريكا، وبمشاركة القوى الدولية فى أوروبا أو آسيا سوف تظل قضية فلسطين معلقة، وسوف يظل الشعب الفلسطينى حالما بالدولة!
والآن يجب أن يقف الشعب الفلسطينى متجردا من كل الأهواء، ومن الصراعات على السلطة، وأن يفهم متغيرات السياسة الجديدة، وحقائق العصر.
فلأول مرة أتكلم معكم بهذه الصراحة المخيفة، لأننى ما زلت أراكم تلهون بقضيتكم فى موقع الجد!!
ليست هناك قضية بحجم فلسطين تحل بهذا الهزل الذى يتعامل به أهلها، فهم يتصارعون وينقسمون ويقتلون بعضهم بعضا، وبعضهم يتسلح بالإرهاب والتطرف بدلا من أن يتسلح بالعلم.
فيا أيها الفلسطينيون إلى متى لا نتكاشف مع أنفسنا، وإلى متى لا ندرك حقائق العصر ومتغيراته؟
فهل تنتظرون تآكلا للقضية الفلسطينية أكثر من ذلك؟
إن قضيتنا عادلة، لكن أهلها غير عادلين وغير قادرين على تغيير أنفسهم، وإن كان يحسب لكم أنكم حافظتم على القضية حية فى وجدان الشعب الفلسطينى، وفى رؤية العالم حتى الآن، ولكن المستقبل لا يحمل فى طياته نفس الاستمرارية.
لكن يجب أن يظهر قادة فلسطينيون جدد من طراز غاندى ومانديلا وغيرهما، يفرضون بالقوة الروحية والإنسانية على عدوهم الاعتراف بقضيتهم العادلة.
أكتب هذه الصرخة للفلسطينيين، وأنا أرى السوريين، وقد أصبحوا لاجئين ومشردين كأهل فلسطين تماما، ووصلت أرقامهم إلى الملايين، وأصبحت دولتهم دويلات محتلة من قبل دول كبرى عالمية ( أمريكا وروسيا)، ودول إقليمية كبرى كتركيا وإيران، ومن ميليشيات مسلحة دينية، سنية وشيعية.
كلها تتشدق باسم الله، وتفتح باب جهنم للقضاء على حق الإنسان فى حياة عادلة، ولم تضع فلسطين وسوريا وحدهما، بل ضاع العراق، وأصبح تحت وصايتين، عالمية وإقليمية (أمريكا وإيران) والحرب مستعرة فى الخليج حول اليمن، ولبنان رهينة بين طائفتين متصارعتين دينيا وإقليميا والمغرب العربى يصارع حول البقاء وظروفه صعبة أما الخليج فتنتظره حرب إقليمية ضروس إذا تفجرت الصراعات حول مضيق هرمز وحول النفوذ العربى والفارسى.
هل يوجد من بين الفلسطينيين والعرب من هم قادرون على التحرك لإنقاذ ما تبقى من قضية فلسطين؟
إن الأحلام لا تكفى وحدها، ولن تغنى مطالبنا من أمريكا وأوربا لحل المشاكل، فلن يحل مشاكل العرب إلا العرب أنفسهم..
وأتذكر، وأنا أكتب الآن، أنور السادات، وقد فاجأ إسرائيل بالحرب، ثم فرض عليها الحل وقبلته إسرائيل، وردت الأرض، ومن يومها لم تعتد على أراضينا، واستطعنا لأول مرة فى التاريخ محاصرة المد الإسرائيلى فى منطقتنا سلميا.
فهل يظهر جيل من السياسيين العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، يستلهم هذه الرؤية، ويستخلص حلا من واقع اللا حل؟
وهذا هو الحل من وجهة نظرى.
فهل يوجد؟
لا أعرف الإجابة!!
.. والله المستعان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى