مقالات الأهرام اليومى

مبارك في السودان زيارة الأمل لأرض الأشقاء

لم تكن زيارة الرئيس حسني مبارك للسودان‏,‏ شمالا وجنوبا‏,‏ هي الأولي فحسب‏,‏ ولكنها أيضا تأتي في وقت يحتاج فيه السودان بشدة إلي دعم أقرب الأشقاء‏,‏ في ظل اضطرابات الداخل وضغوط الخارج التي باتت تهدد وحدة أراضيه‏..‏ لقد استجاب مبارك برؤيته وبعد نظره لما يحدث في السودان وخارجه‏,‏ وعبر بزيارته عن حرصه علي أن يظل السودان قويا متماسكا حماية لمصالح شعب سكن شمال الوادي وجنوبه منذ أزمان التاريخ البعيدة‏.‏ وزيارته في هذا التوقيت تؤكد حقيقة وحدة المصالح المصرية ـ السودانية‏.‏

ففي ظل تداعيات الأزمة في السودان لم تعد القنوات الدبلوماسية كافية لاحتوائها ودرء تداعياتها الخطيرة‏,‏ فكانت رحلة الرئيس إلي الشمال والجنوب السوداني‏..‏ زيارة تحمل الكثير من المعاني للأشقاء في السودان ولغيرهم‏,‏ وتدعم جهود المصالحة الوطنية بين أهل السودان وجمع الشمل ونبذ أسباب الفرقة‏,‏ والاحتكام لصوت الضمير الوطني وإعلاء المصلحة العليا والنظر بعيدا حيث تحتضن مصالح هذا الشعب وحدته وأمنه واستقراره‏.‏

وهي أيضا زيارة تقول للجميع إن البلد الشقيق لايقف وحيدا في مواجهة الضغوط الخارجية والمؤامرات علي وحدته‏,‏ وإن مصر تقف اليوم متضامنة مع السودان‏,‏ حكومة وشعبا‏,‏ في مواجهة كل عوامل الفرقة والانقسام التي تأتي من الداخل أو الخارج‏.‏

فالسودان المشتعل بأزمتين كبيرتين إحداهما متفجرة الآن والثانية كامنة‏,‏ سيكون في مهب رياح التغيير المرتبطة بدخول العالم مرحلة جديدة مع تنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة في يناير المقبل‏.‏

فالأزمة المشتعلة في دارفور تتفاعل دوليا في اتجاه تصاعدي خلال الشهور الاخيرة‏,‏ ووصل تصاعدها الي مستوي غير مسبوق‏,‏ عندما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من هيئة هذه المحكمة إصدار قرار باعتقال الرئيس عمر البشير‏,‏ وهذه هي المرة الأولي التي يتعرض فيه رئيس دولة في السلطة لمثل هذا الموقف‏.‏

وبالرغم من كل ما ينطوي عليه هذا الموقف من تجاوزات قانونية وسياسية‏,‏ من تبديد سيادة الدولة وعدم الالتزام بقواعد النظام العالمي‏,‏ فإنه يحمل مغزي بالغ الأهمية وهو أن أزمة دارفور يمكن أن تكون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار‏.‏

ولذلك تحركت مصر بشكل منظم مع مختلف الأطراف ذات الصلة في إفريقيا والعالم العربي والمجتمع الدولي سعيا إلي كسب الوقت من أجل الإسراع بحل أزمة دارفور‏.‏

ولكن هذا الحل لن يتحقق في أيام أو أسابيع وإنما يحتاج إلي وقت أطول‏,‏ وساعدت سياسة الإدارة الأمريكية الحالية علي ذلك لأن أزمة دارفور تعتبر من الاستثناءات التي لم تتخذ فيها الإدارة مواقف حادة وعنيفة ولم تتدخل فيها بطريقة مدمرة‏.‏

من هنا تأتي أهمية استمرار هذه السياسة في عهد الإدارة الجديدة‏,‏ ويحتاج ذلك إلي تشاور مكثف حول كيفية التعامل معها‏,‏ خصوصا في ظل وجود اتجاهات داخلها تتبني مواقف تجاه أزمة دارفور أكثر تشددا من الاتجاه الغالب لدي الإدارة الجديدة‏.‏

وهذا هو ما ينبغي أن تدركه الحكومة السودانية في ضبط إيقاع خطابها السياسي وسياساتها الفعلية علي نحو يتيح تجنب أي تصعيد جديد في هذه الأزمة والذي سيؤثر سلبا بالضرورة علي الجهود المبذولة حاليا لحلها‏.‏

……………………………………………………‏

ومن أزمة دارفور إلي مشكلة الجنوب التي كانت مشتعلة لأكثر من عقدين من الزمن قبل التوصل إلي حل لها‏,‏ ولكن هذا الحل يجعل مصير جنوب السودان رهنا باستفتاء عام سيجري في عام‏2011,‏ وكان الرهان عند التوصل إلي ذلك الحل هو أن استقرار الأوضاع سيؤدي تدريجيا إلي دعم اندماج الجنوب‏,‏ وتأكيد ارتباط أهله بالوطن الواحد‏,‏ ولكن المؤشرات المتوافرة الآن لاتدعو إلي الثقة في نجاح هذا الرهان فالأوضاع لم تستقر بدرجة كافية والأزمة تتجدد ويعاد إنتاجها بأشكال مختلفة‏,‏ والحديث عن ترجيح انفصال الجنوب يعود هذه الأيام حاملا في طياته خطرا داهما لا يمكن في ظله الانتظار إلي أن يحل موعد الاستفتاء‏.‏

ولا يخفي المغزي العميق لتوجه الرئيس مبارك‏,‏ خلال زيارته للسودان‏,‏ إلي منطقة الجنوب ليؤكد أننا في مصر ـ حيث مركز العروبة ـ لانفرق بين أبناء السودان الذين كانوا جميعهم بمختلف آرائهم وثقافاتهم جزءا لا يتجزأ من مفهوم وحدة وادي النيل تاريخيا وسياسيا‏.‏

وحين وطأت أقدام الرئيس مبارك أرض السودان شمالا وجنوبا‏,‏ فإن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين تتسارع‏,‏ خاصة أنها تستلهم تاريخا من علاقات الشعبين وأواصر قربي كانت تزداد عبر السنين‏.‏

فالسودان لم يغب عن مصر‏,‏ ولم تغب مصر يوما عن السودان‏.‏ وكانت زيارة مبارك كافية لوضع حقيقة الروابط الثقافية والتاريخية في ضوء مبهر‏,‏ يؤكد عمق علاقة لم تنفصم بين الشعبين‏.‏ ولذلك كانت تلك الزيارة مبعث آمال عريضة لدي المصريين والسودانيين في وضع نهاية للاضطرابات في السودان‏,‏ وإعادته آمنا مستقرا ومبعث آمال أيضا في أن تشهد العلاقات بين البلدين تعاونا أعمق في ظل ما يعيشه العالم الآن من مشكلات في الطاقة والغذاء والاقتصاد والمياه‏.‏

إن زيارة مبارك للسودان تؤكد مجددا معني القيادة الإقليمية التي تملك الرؤية وتستشرف ما هو قادم فتعرف أن هذا البلد العربي الشقيق يحتاج إلي اهتمام أكبر في مستهل مرحلة جديدة يستعد لها العالم الآن‏.‏
osaraya@ahram.org.eg

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى