هجوم إيراني.. لإحكـام الحصار علي غزة والتلاعب بالقضية الفلسطينية

التلاعب بالقضية الفلسطينية له تاريخ, فلقد اتخذتها دول وحركات سياسية ذريعة لتحقيق أهداف أبعد من القضية نفسها, وأحيانا تكون متعارضة معها. ولكن ما يحدث اليوم باسم هذه القضية يمثل نقلة نوعية في آليات المتلاعبين بها وبمصير شعبها.
فالقضية مع هذه الآليات الجديدة مهددة بالاندثار والنسيان علي يدي إيران وحماس منفردين تارة, وبتنسيق كامل بينهما تارة أخري. محققين بذلك هدف إسرائيل. وتتزامن آليات التلاعب مع انقسام غير مسبوق بين الفلسطينيين لتصل القضية إلي أضعف حلقاتها نتيجة لتراكمات طويلة. فلقد كانت الدول تمارس التلاعب بالقضية في ظل قيادة وطنية واحدة وحركة وطنية متماسكة, الأمر الذي وضع حدا لأخطار التلاعب بالقضية في الماضي. أما اليوم فإن المتلاعبين بها فصيل يسيطر علي جزء من الأرض, ودولة جامحة طامعة لاتتورع عن فعل أي شيء يصب في مشروعها التاريخي القديم, وهو الهيمنة علي المنطقة. وقد تواطأت إيران وحماس علي استمرار معاناة الفلسطينيين في غزة, وإطالة أمد الحصار الذي يوفر لهما فرصة فريدة في المتاجرة بآلام وعذابات الفلسطينيين. والتقت سياساتهما مع المشروع الصهيوني بل وأعطته ـ ومازالت تعطيه ـ المبرر للتحلل من أي التزامات أو استحقاقات تجاه الفلسطينيين بل والهروب من مسئوليات دولة الاحتلال.
…………………………………………………..
إن حماس تحلم بأن تكون نواة لمشروع إسلامي من خلال إمارة إسلامية علي غرار إمارة طالبان في أفغانستان, وإيران تري في المشروع خطوة تحقق لها في النهاية حلمها الفارسي القديم بتحقيق الهيمنة علي الشرق الأوسط. واستراتيجية إيران في سبيل هذا الحلم تعتمد علي تفجير الأزمات واستمرارها, بحيث يصبح تدخلها أمرا ميسورا, وممارسة نفوذها واقعا مضمونا, وأن تتقزم القضية الفلسطينية العادلة ـ التي جعلها العرب والمصريون ملء السمع والبصر, وقد حصلوا علي كل اعتراف دولي بالحقوق الفلسطينية المشروعة تجاه إسرائيل بل أمام المجتمع الدولي كله ـ وتصبح ورقة صغيرة تستخدمها إيران للمساومة الدولية حول مصالحها الذاتية أو مشروعها النووي..
قضية فلسطين, وياللمهانة, تستخدمها إيران مطية رخيصة وتفرغها من أشرف معانيها باعتبارها قضية حق لكل فلسطيني وقضية عدل يقف العالم كله ـ الآن متهما إسرائيل بالتعنت والجبروت, ويطالبها باحترام الشرعية الدولية والحقوق الفلسطينية.
إن إيران تريد أن تنقل القضية الفلسطينية إلي خانة الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تتلاعب بالأديان والسياسات والقضايا المشروعة مقابل استحقاقات رخيصة, وجماعات متطرفة فلسطينية فاقدة الرؤية والقدرة علي الحركة, وقد تسلطت عليها أفكار سوداوية لتسقط بقضيتها العادلة في بئر بلا قرار وفي ضياع جديد, بعد أن أصبحت قضيتهم قضية العالم, وقضية الحق الضائع منذ الحرب العالمية الثانية.. نعم إيران تنقلها إلي خانة جديدة, والأخطر أنها تهاجم أصحاب القدرة والرؤية الذين لا يتوقفون عن دعم حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية وعلي كل صعيد, وتتهمهم بالخيانة والعمالة بلغة منحطة, متصورة أنها مازالت تنطلي علي أحد, متناسية أن كل الطغاة دفعوا ثمن طغيانهم, فلتنظر إيران بسياساتها إلي داخل بلادها, فالدولة الإسلامية الإيرانية تعزز بديكتاتوريتها أكثر المرتدين, ويهرب شبابها, ويسقط مجتمعها فريسة لطغيان الملالي. ونحن نريد تحذير الفلسطينيين حتي لا يسقطوا في تلك الغواية الإيرانية الجديدة المفضوحة والمكشوفة, فهي لعبة قديمة باتت لا تنطلي علي أحد.
وقد ساعدت إيران باستراتيجيتها الإدارة الأمريكية بأخطائها الفادحة في المنطقة, وهي الأخطاء التي فجرت الحلم الإيراني القديم. فقد أتاحت لها هذه الإدارة الأمريكية أن تعبر من العراق إلي منطقة الخليج, وإلي المشرق العربي عبر لبنان وسوريا وفلسطين.
……………………………………………………..
وهكذا تلاقت إرادة حماس وإيران علي الوصول بالقضية الفلسطينية إلي أكثر أوضاعها هشاشة وضعفا خلال نصف القرن الماضي. حيث رفضت حماس المشاركة في الحوار الذي رعته مصر, وسعت إلي أن تجعله منطلقا لمصالحة وطنية تعيد الاعتبار للقضية المهددة وترفع الحصار عن قطاع غزة وتعيد إلي أهله سبل الحياة التي حرموا منها منذ أن أحكمت حماس سيطرتها عليه في يونيو عام2007, ولا شك أن ألاعيب حماس لتخريب هذا الحوار معروفة لدي الجميع, وهي ألاعيب كانت تعكس حقيقة واحدة هي أن حماس تضع مصالحها فوق كل اعتبار, وأنها ترفض رفع الحصار إذا أدي إلي تخفيف قبضتها الخانقة علي القطاع وأهله.
وحماس الطامحة إلي إقامة إمارة هزيلة محاصرة في قطاع غزة لاتتورع اليوم عن التحالف مع إيران برغم وضوح الهدف الإيراني من ذلك الدعم السخي الذي تقدمه للحالمين بالإمارة. وهي لم تتردد في اتخاذ مواقف مغايرة للإسلام الذي ترفع شعاره. فحينما تمنع حجاج غزة من العبور إلي الأراضي المقدسة بدعوي أن الحكومة الفلسطينية في رام الله هي التي أجرت القرعة بينهم وليست حكومة حماس, فنحن هنا أمام تنازع سلطات أدي إلي تعطيل فريضة من فرائض الإسلام.
وإيران علي الجانب الآخر لاتريد حلا لأزمة المحاصرين في غزة, ولاتريد حلا للمشكلة برمتها, لتظل بؤرة مشتعلة, تتسلل منها إلي المنطقة, متوهمة أنها خطوة تقربها من مشروعها الفارسي القديم. وقد سبق أن حذرت في هذا المكان ـ يوم الجمعة26 يناير في بداية العام الحالي في دراسة مطولة ـ من مخاطر الدور الإيراني في المنطقة.. وهاهي إيران في نهاية العام نفسه تثبت كل ما قلته, وتقوم بتنظيم بيان عملي لمشروع هيمنتها علي منطقتنا بدفع طلاب جامعات إيران والحوزة العلمية في قم بالتظاهر أمام السفارات العربية. كما تحشد أعوانها في الداخل العربي للهجوم علي السياسات العربية لتحرير فلسطين, وتتهم كل من يعملون علي تحرير فلسطين وإنقاذ شعبها من الاحتلال والحصار بالعمالة والتواطؤ. وهذا كله مقدمة بيان عملي للمتطرفين في إسرائيل وللإدارة الأمريكية الجديدة بأنها تملك مفاتيح الحل في الشرق الأوسط في أهم وأخطر قضاياه وهي قضية فلسطين,
وهي حركة مكشوفة لا تنطلي إلا علي البلهاء وسوف يكشفها تاريخ نضال العرب, خاصة الفلسطينيين ليضعوها في مزبلة التاريخ, فنضال الشعوب ليس للبيع أو للرهن لقوة كبري أو لمشروع هيمنة إقليمية مكتوب عليه الفشل,
وسوف تنتصر إرادة الشعب الفلسطيني وحقوقه علي أمريكا وإسرائيل وعلي من يحاولون اليوم الاستفادة من الحرب الأمريكية علي منطقتنا, وعلي الإيرانيين الذين يذيقون العراقيين الآن مرارة هزيمتهم في الحرب العراقية ويستولون علي إرادة الشعب اللبناني, ويرهنون قطرا عربيا, ويهدرون قضية العرب الأولي.
واليوم ترفع إيران لواء الدفاع عن المحاصرين, وتدفع بالمتظاهرين أمام السفارات العربية في طهران لكي تندد بالقوي الواعية بطموحاتها الإقليمية والقادرة علي إحباطها. وإذا كنا لانستطيع إيقاظ الإيرانيين من حلمهم القديم الذي يرتدي هذه الأيام ثيابا دينية, فلا أقل من أن ننبه حماس إلي خطورة ما تقوم به علي القضية الفلسطينية ومستقبلها!
osaraya@ahram.org.eg
